هاشتاغ-مازن بلال
يمكن لأي مراقب ملاحظة التصعيد في شرقي المتوسط، فالمسألة لم تعد مقتصرة على الخروقات الأمريكية في الأجواء السورية، إنما في “الانسحاب” السياسي العربي والتركي من أي جهود مرتبطة بالأزمة السورية، ومن ملفاتها المرتبطة بباقي دول الإقليم ابتداءً من “الإرهاب” وصولا إلى “اللاجئين”.
وقدم حديث الرئيس السوري لمحطة “سكاي نيوز عربية” صورة للبرود السياسي الذي يسود المنطقة، ويرخي بظلال ثقيلة على الوضع السوري وإمكانية الانفراج السياسي أو حتى الاقتصادي.
التصور الأولي يقدم “بيئة حرب” ولو محدودة، فبالتأكيد لا تريد الولايات المتحدة ولا روسيا فتح معركة مباشرة، فهذا الأمر سيقود إلى احتمالات مفتوحة يصعب التحكم بها في ظل الاضطراب الدولي القائم، و”بيئة الحرب” في شرقي المتوسط هي “إحراج” لـ”موسكو” بالدرجة الأولى، لأنها ستضعها في موقع سياسي يُعرقل جهودها التي بنتها منذ أول لقاء في أستانة الذي رسم مسيرة تفكيك الجبهات العسكرية على طول سورية، ويمكن قراءة “بيئة الحرب” في أمرين:
أن مسار أستانه ليس مجرد لقاءات بل إنتاج لمحور علاقات إقليمية أدت في النهاية إلى دور روسي في الشرق الأوسط عموما، ورمزية الإعلان عن نهاية هذا المسار بعد آخر لقاء لم تكن تعني انتهاء الاتفاقات التي تم التوصل إليها، إنما مواجهة احتمالات جديدة رسمها الاضطراب الدولي بعد الحرب الأوكرانية.
بعد اللقاء الأخير في أستانه بدأ الانكفاء التركي الذي يمكن اعتباره رغبة لأنقرة في إعادة رسم توازناتها الإقليمية، وبدت العلاقات التركية – الروسية تعود لوتيرة عادية لا تحمل معها سوى الانكفاء السياسي من الملفات الإقليمية، ولم تستعجل موسكو النتائج بل أجلت الملفات بانتظار التطورات التركية سواء على مساحة العلاقة مع الناتو، أو قدرة أنقرة على توفير مساحة سياسية لنفسها وسط صعوبات اقتصادية متعددة.
الأمر الثاني زيادة الرهان الدولي على عجز المنظومة العربية على إنشاء ساحة إقليمية في ظل الصراع الدولي القائم، وكانت البداية في استعادة العلاقات الإيرانية – السعودية ثم فتح المجال لعودة سورية إلى الجامعة العربية.
“بيئة الحرب” كانت تعني خفض سقف احتمالات دول الخليج بالدرجة الأولى على تغيير بنية العلاقات الإقليمية، وكان هذا الأمر واضحا في الملف الإيراني الذي بقي ضمن “حدوده” رغم محاولة تصفية الخلافات مع الدول العربية، ثم جاء الملف السوري الذي ظهر على نفس الإيقاع وبدت عودة العلاقات السورية – العربية تقليدية لأبعد الحدود.
بقي انتظار اندلاع المعارك، وهو أمر ربما يطول، لأن ما يجري هو “جولة اضطراب”، والرهانات عليها تنحصر في إعادة تأسيس الأزمات من جديد وتوزيع الأدوار الإقليمية بشكل مختلف، ولا ينفي هذا الأمر احتمالات المواجهة العسكرية لكنه يضعها في إطار السيطرة قدر الإمكان كي لا تخلق تداعيات خطرة.
يشعر السوريون بـ”بيئة الحرب” وتصلهم التحركات في أروقة العواصم التي تقودها مجموعات سورية بالدرجة الأولى، ويتذكرون الأشهر الأولى لأزمتهم، ولكن المعركة اليوم ليست مع “النفوذ الإيراني” كما كانت توحي سابقا، بل جزء من جبهة دولية أوسع بكثير، ورهانات بعض الأطراف السورية هي هامش فقط لأزمة دولية أعمق، فهم يريدون أدوارا في مكان مزدحم بالصراع على الأدوار.