يوسف الصايغ _ بيروت
“بعد أن صدّرت الحرف والأبجدية إلى العالم، ها هي شواطىء لبنان باتت تصدر اليوم قوارب الموت”.
هكذا يختصر كثيرون المشهد المأساوي لغرق ثاني المراكب التي انطلقت من أحد الشواطىء اللبنانية باتجاه إيطاليا بحسب ما كان مقرراً، لكن فاجعةً حلت بالمركب، إذ قضى عشرات اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين ممن كانوا على متنه، لينضموا إلى قافلة طويلة من ضحايا الهجرة غير الشرعية، ولكن عبر الشواطىء اللبنانية هذه المرة .
غادروا بحثاً عن وطن أفضل لهم ولعائلاتهم، لكن رحلتهم انتهت بالموت غرقاً بعد أن تقاذفتهم أمواج البحر لأيام، فخسروا أرواحهم نتيجة حلم أبعد ما يكون عن الواقع.
“تجارة موت”
في هذا السياق يشير النائب جهاد الصمد في تصريح ل”هاشتاغ” أن لا شيء يبرر ظاهرة الهجرة عبر مراكب الموت، مشيرا إلى أن ما نشهده هو عبارة عن “تجارة موت”.
ويصف النائب الصمد من يذهبون عبر مراكب الموت بأنهم “أشخاص مغلوبون على أمرهم”، لكن رغم ذلك لا يمكن تبرير ما يحصل بأنه “هجرة غير شرعية”، لأنها تجارة موت بكل ما للكلمة من معنى، كما يقول.
وينفي الصمد علمه بما يحكى عن تورط جهات أمنية بمراكب الموت.
كما يشير إلى أن التحقيقات كفيلة بكشف ملابسات ما يحصل.
عمل منظم والتحقيقات ستكشف المتورطين
النائب السابق عن عكار مصطفى حسين يرى في حديث ل”هاشتاغ” أن ما يحصل هو عمل منظم بدءاً من شراء المركب إلى تأمين الأشخاص للهجرة.
ويلفت إلى أن “الناس تظن أنها من خلال هذه الهجرة ستحقق طموحها، ولكن من يدفع مبالغ طائلة يمكنه أن يؤسس له عملا في لبنان، بدل أن يقوم بالهجرة والموت غرقا في رحلة غير مضمونة عبر البحر”.
ويشير حسين إلى أن “التحقيقات تكشف تورط بعض الجهات بعمليات التهريب، والتي تسهل شراء المراكب وتأمين المحروقات والأمور اللوجستية، وهناك ملفات كثيرة لدى الدولة ستُظهر من هي الجهات المتورطة بعمليات التهريب، خصوصا وأن هناك أسماء بات بعضها معروفاً”.
في سياق متصل تشير مصادر ل”هاشتاغ” أنه مع غرق “مركب الموت” قبالة جزيرة أرواد السورية، بات واضحاً أن “الهجرة غير الشرعية” والتي تنطلق عبر شواطىء لبنان لا سيما في منطقة الشمال، تتم عبر مجموعة من الأشخاص يشكلون عصابات تدير هذه التجارة بشكل محترف، بدءاً من تأمين المركب إلى التواصل مع الأشخاص الراغبين بالسفر بشكل سري للغاية، حيث يتقاضون منهم دفعة أولى لحجز مكان لهم على أن يسددوا باقي المبلغ قبل انطلاق الرحلة.
وبحسب المعلومات، فقد تقاضى منظم رحلة الموت الأخيرة مبلغاً يقّدر بحوالي المليون دولار أميركي، حيث لا يصعد على متن القارب إلا من يدفع مبلغا لا يقل عن 5 آلاف دولار.
كما يتم تزويد المركب بهاتف ثريا والذي لا يمكن رصده، بالإضافة إلى جهاز (GPS) لالتقاط الإشارة وتحديد الموقع، إضافة للعمل على تأمين التغطية الأمنية، حيث يتم البحث عن نقطة للإبحار تكون غير خاضعة للمراقبة بشكل دقيق.
وذلك بعد أن يتم الاتفاق مع مالك أرض تكون قريبة من الشاطىء، والذي يتقاضى بدوره عشرات آلاف الدولارات، مقابل السماح بانطلاق المركب من أرضه باتجاه البحر ومنها إلى المياه الاقليمية.
وفي سياق ملاحقة العصابات المرتبطة بعمليات الهجرة غير الشرعية عبر الشواطىء اللبنانية، أعلن الجيش بعد غرق المركب قبالة جزيرة أرواد القبض على أحد الأشخاص المشتبه بهم، وعلم “هاشتاغ” أن الشخص الموقوف يدعى (بلال ع. طالب) المعروف بـ”حمّور”.
كما أوقف مجموعة من الأشخاص في وقت لاحق وتضم: (م. ديب قويظة وه. قويظة، ود. قويظة، و م. قويظة المعروف بـ”محمود ابو ديب”، ونجله ع.، وف. خلف، وع. طالب الشهير بـ”عبدالله حمودي”، وعبد طالب الشهير بـ ”ابو شعر”، وم.ابو خضر، وخ. الحداد ، وع. الحداد وح.عباس، وأ. السبسبة المعروف ب”ابو علي”، وه.ص).
وتشير معلومات إلى أن الموقوفين اعترفوا بتورطهم في الهجرة غير الشرعية.
وإذ تلمح المصادر إلى احتمال تورط قوى سياسية بدعم الذين يقومون بعمليات التهريب عبر البحر، تنفي ما يحكى عن تساهل أمني، بل تشير إلى ضعف في الإمكانيات.
كما ان الجيش بعد حادثة غرق مركب آل دندشي قبل أشهر، بات حذراً في التعامل مع المراكب التي تنطلق من الشواطىء اللبنانية، لكنه يقوم بدوره في ملاحقة الرؤوس الكبيرة المتورطة بعمليات الهجرة غير الشرعية”.
وتشير المعلومات إلى أن “هناك صعوبة في ضبط عملية الهجرة غير الشرعية عبر البحر، نظرا للمساحة الكبيرة التي يمتد عليها الشاطى اللبناني من الشمال إلى الجنوب، وربما سيعمد المهربون في الفترة المقبلة إلى اعتماد نقاط انطلاق جديدة، بعد أن باتت النقاط السابقة مكشوفة أمنياً، ما يتطلب مضاعفة الجهد الأمني للحد من تكرار رحلات الموت عبر شواطىء لبنان”.
إذاً، يتفق العديد من المراقبين على أن الظروف القاهرة والأزمة المعيشية تقفان وراء رغبة الكثير من الأشخاص اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين إلى البحث عن خيط أمل لهم ولعائلاتهم بعيدا عن “جحيم أوطانهم”، ما يدفعهم إلى التضحية بكل ما يملكون من أجل تلك الرحلة المشؤومة المليئة بالمخاطر.
لكن الثمن يكون غالياً لأنهم يدفعون حياتهم ثمن “حلم ضائع” لن يتحقق، وتذهب أرواحهم ضحية جشع المتاجرين بحياة البشر، الذين ينحصر همّهم الوحيد بأن يجمعوا الأموال ولو على حساب حياة أطفال ونساء وأشخاص أبرياء، كانوا فقط يحلمون بحياةٍ وغدٍ أفضل.