هاشتاغ-نبيل صالح
يمكنُ القول إنَّ ذكاءنا كسوريين، بشكل عام، يمكنُ تمثيلُه بشخصيات مسلسل “صح النُّوم”، حيث حسني البورظان وياسين بقوش وفطوم حيص بيص يمثلون الذكاء الشَّعبي، بينما غوار يمثل ذكاء السلطة الانتهازي، وبدري أبو كلبشة يمثل ذكاءها الأمني، أما أبو عنتر فيمثل ذكاء أمراء الحرب والخارجين على القوانين، بينما يمثل أبو صياح الزكرتاوي الغضوب وهي شخصية ليست ذكية ولاغبية مكتفية بنفسها مثل أعضاء غرفة التجارة، وقد فرخت فيما بعد مجمل شخصيات مسلسل باب الحارة السطحية وأحبها الناس الذين يشبهونها ..
ويعلَمُ مديرو التلفزيون المتعاقبون أنَّ ذكاءنا ما زال يراوح زمنياً عند عقد السبعينات، لذلك يعيدون علينا عرض المسلسل في العطل الرسمية منذ نصف قرن، ونحن نتابعه بشغف الأمس وكأننا في مستنقع من الزمن لايتغير، مؤكدين خطأ نظرية هيراقليطس عن الزمن من أن السوريين يستطيعون السباحة في مياه النهر مرتين، فلا الزمن يتغير ولاهم يتغيرون! وقد انتبهت حكومة الرئيس عرنوس بالأمس إلى أنَّ تأخرَنا الزمني هذا يمكن تعويضه باستمرار العمل بالتوقيت الصيفي حيث نسبقُ فيه أُمَمَ التوقيت الشتوي ستين دقيقة، من دون المشاركة في السباق الأُمَمِي!
فنحن كسوريين لم نتغير كثيراً خلال ألف عام، بحيث أننا أعدنا إنتاج الدولة الإسلامية شرقَ البلاد حتى عمقها العراقي، والدويلة القومية في الشمال الشرقي تحت مزاعم الحكم الذاتي للأكراد، والدويلة العثمانية في الشمال الغربي بعمقها التركي، ودويلة الإخونج في سهل حوران بعمقها الأردني، والفاطميَّة في جبل العرب بعمقها الجولاني واللبناني، وما تبقى من الدولة الأم تقودُهُ مؤسسة “البعثُ العربيُّ الإسلامي” في محاولة للالتفاف على بقية الدويلات التي تستغل العاملَ الديني السلفي المستنقع فينا، لتبدو الأمة السورية كما لو أنها لم “تَصْحُ” من نومها بعد، مثل أهل الكهف الذين استيقظوا فوجدوا أن الزمن فاتهم فعادوا إلى نومهم وموتهم من جديد !؟
2
تخيلوا هذا المشهد السينمائي: بينما ثلَّةٌ من المسلمين يلاحقون فلولَ عصبةٍ من المشركين عند شعاب جبل أحد، إذِ انفتحت أمامهم فجأة ثغرة زمنية، فقفز عبرها كفارُ قريش على صهوات خيولهم، وتبعهم المسلمون، ليجدوا أنفسهم جميعاً في العام 2021م وسط سوق مدينة جنيف..
استمرَّ العراكُ بالسيوف والرماح وحطمت خيولُهم السوقَ وأرهبت السياحَ والمتسوقين، فاستنجد التجارُ بفرقة مكافحة الإرهاب من هجوم مباغت لداعش، حيث كانت الثلة تواصل هجومها على العصبة وهم يصيحون “الله أكبر”… حضرت فرقة مكافحة الإرهاب المدربين على “الكونغ فو” وتمكنوا من السيطرة على الجميع فقيدوهم وساقوهم إلى قسم البوليس للتحقيق معهم..
في القسم جاؤوا لهم بمترجم اللغة العربية ولكنه لم يفهم أغلب كلامهم حيث أكد أن العرب اليوم لم يعودوا يستخدمون من قاموس العربية أكثر من ثلثه والباقي أصبح مهجوراً، ويبدو أن هؤلاء الأشخاص منقطعون عن تطور المجتمعات العربية المعاصرة! فاستعان قائد البوليس بمستشرقين وعلماءَ مختصين بالأنثربولوجيا والميثولوجيا والبيولوجيا وعلم الدين المقارن، إذ وجدوا بعد الاستماع لإفادات بعض الموقوفين أنه من الأفضل إجراء دراسات تاريخية عليهم بدلاً من إضاعة الوقت في محاكمتهم!!
في الحجز، حَلَقُوا للجميع شعرَهُم ولحاهُم، ونظَّفُوهم من القمل والصئبان بشامبو “سنان”، ثم ألبسوهم رداء السجناء المخطَّط، فبدوا كبشرٍ معاصِرين، ولكنهم يحملون في رؤوسهم تخيلات قديمة عن الله والعالم والإنسان… وخلال جلسة الاستماع ووصف الموقوفين للثغرة التي عبروها تأكد العلماء من صدق نظرية الأكوان المتوازية وأن هذا الثقب الدودي سينفتح العام القادم في نفس التوقيت لفترة وجيزة وأن بإمكانهم إجراء تعديلات على التاريخ الإسلامي فيما لو أعادوا تأهيل الموقوفين معرفياً وعلمياً وأقنعوهم بأنَّ الله تعالى أراد لهم رؤية المستقبل كي يعودوا إلى زمنهم كرسلٍ للحضارة الإسلامية حيث يتمكنون من تعديل بعض أحداث القرن الأول للهجرة والتي ما زالت تتسبب بأذى للمسلمين وجيرانهم حتى القرن الواحد والعشرين.
3
بعد انتهاء مشاهدة الموقوفين لفيلم “الرسالة” لمصطفى العقاد أسلمت عصبةُ المشركين، حيث تأكدوا أن الإسلام سينتصر في النهاية وأن المسلمين سيحكمون مكة والمدينة وسائر بلدان آسيا وشمال أفريقيا، وأنه سينالهم نصيباً من الغنائم والسبايا إن هم أسلموا.. ولما أطلعوهم على نسخة المصحف العثماني الذي يعتمده أحفادهم استغربوا من عدم ترتيب آياته بحسب نزولها زمنياً بحيث أن جامِعِي الكتاب وضعوا أولَ آياتٍ نزلت على الرسول في آخره وآخرها في أوله، كما لو أنهم أرادوا قلب الزمن الرسولي! وزاد استغرابُهم عندما جاؤوهم بالكتب التسعة لمدوِّني أحاديث الرسول بعد قرنين من وفاته، حيث بلغ عددها 108546 حديثاً، وكان يُفْتَرَضُ بالرَّسُول الكريم أن يعيشَ ألفَ سنةٍ كي يقولها جميعا!؟ أما أعظم عجبهم فكان بعدما عُرِضَتْ عليهم ملايينُ الفتاوى المدوَّنة على محرك “غوغل”! ولما سأل المسلمون الأوائل عن معنى كلمة فتوى قيل لهم: هي مرسوم ديني في الإسلام يقوم بإصداره رجال دين حسب الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية، ذلك أنَّ تطوُّرَ حياة المجتمعات المسلمة عبر العصور كان يضعهم باستمرار أمام إشكالية عدم وجود نص فيما يستجد من أمور الدنيا عليهم، لتصبح الفتوى فيما بعد نصاً ملزِماً للمسلمين مثل الكتاب والسنة، وفوق ذلك حرموا نقاش جمهور المسلمين فيها كونها مستمدة من النص الإلهي، ووصفوا كل من يحاججها بالمنطق ولا يخضع لها بالمارق يُحَلَّلُ دمه وماله وعرضه، (فكل من تمنطق تزندق)! وأضافوا أن كثرة الفتاوى عقَّدَتْ حياة المسلمين وعرقلتها بحيث أن مؤسسة شرعية واحدة كالأزهر الشريف تصدر سنويا أكثر من مليون فتوى، فتخيلوا عدد الفتاوى الصادرة كل عام في 55 دولة إسلامية موجودة اليوم، وكم بلغ عدد الفتاوى الصادرة خلال 1444 عاماً لتعلِّمَ المسلمَ كيف يكون مسلماً! وقد فرح الرسل المسلمين بوجود 55 دولة مسلمة ولكنهم لم يفهموا ماذا تعني كلمة رجل دين ولماذا يحتاج المسلم إلى مُفْتٍ يلاحِقُهُ في كل مكان وهو يقول: سلوكُك خاطئ يا مسلم والصحيح أن تفعل كذا!؟
4
أسقِطَ في يدِ الرُّسُل بعد تعرُّفهم على مسيرة التاريخ الإسلامي وصراعات المسلمين دُوَلاً ومذاهبَ وأفراداً بين بعضهم، ووافقوا على جلسة موسَّعةٍ مع العلماء المعاصرين لوضع خطة لتفكيك الألغام الإسلامية الأولى التي مهدت السرير لما يليها من عُقدٍ وخلافات وحروب إسلامية، واتفقوا على أن يبدؤوا بهدم “سقيفة بني ساعدة” التي انطلق من تحتها غول الإسلام السياسي، وشرع بافتراس أمة المسلمين منذ حرب صفين إلى حرب داعش والنصرة اليوم، في المكان نفسه على ضفتي نهر الفرات، وكأن تجارب القرون الماضية لم تمرَّ على المسلمين!؟ ذلك أن إدراك فلسفة الزمن وحركة التاريخ تستوجب الاقتناع بتاريخية النصوص المقدسة، حيث أن قوانينها وأحكامها جاءت في زمان ومكان ومجتمع مختلف في كل عصر، وأن استمرارَ النقل وتعطيلَ عمل العقل قد حكمت على حيوية الناس بالجمود وكأنهم مازالوا يعبدون أصنام الآباء كما الآية: “وجدنا آباءنا كذلك يفعلون”، بينما كان العقل ولازال هو رسول الله الدائم والمتجدد الذي يهدي الناس وينظم حياتهم بما يرضي الحقَّ والعدالة والجمال..
وبعد جلسات ومراجعاتٍ مطولة للانزياحات التي أصابت المسلمين الأوائل منذ ما دعي بحروب “الردة”، تم وضع حزمةٍ متكاملة من التعديلات التاريخية اتفق عليها مع بَعثة المسلمين الأوائل ، حيث تم تزويد الرسل بكل أدوات المعرفة التكنولوجية للرجوع إليها والاستئناس بها في أعمال القرن الهجري الأول.
5
في تمام الثامنة من صباح هذا اليوم الواقع في 13/ 3/ 1444 للهجرة حان موعد انفتاح الثغرة الزمنية.. حضرت وكالات الأنباء والمصورون والفضوليون لمشاهدة إعادة إرسال البعثة الإسلامية إلى الماضي، لكن البعثة لم تلحق، فقد تربص بهم مجموعة من ذئاب القاعدة وفجروهم مع ثغرتهم الزمنية كي يحافظوا على الإسلام السلفي التكفيري الذي يقسم العالم إلى فسطاطين ويعطيهم ذريعة لاستمرار الجهاد..
انتهى الفيلم بالتكبير والتفجير، ولكم أن تضعوا بأنفسكم نهاياتٍ أخرى للفيلم وتفتحوا ثغراتٍ زمنية على الأكوان الموازية: في العصر الأموي لتحذيرهم من أخطائهم التي ستمهد للدولة العباسية، أو تفتحوا ثغرة على العصر العباسي لتحذير الخلفاء من الأسباب التي أضعفت أمبراطوريتهم قبل سقوطها على يد هولاكو.. أو على العصر الفاطمي والأيوبي فالعثماني الذي أورثنا كلَّ هذه الفوضى والأحقاد وعطل استحقاقات المواطنة في بلادنا… وإذا أردتم أن يتحول إلى فيلم كوميدي فلتتخيلوا ثغرة زمنية انفتحت أمام عصبة من شيوخ الأوقاف وثلة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب ليدلفوا إلى العام 2050 في مدينة تورونتو بكندا، فكم سيكون حجم القناعات والفتاوى والسياسات التي سيغيرونها وهم يضحكون من تعصبهم لها وقمعهم لنا من أجلها؟! ففي تلك اللحظة قد يدركون معنى حكمة : الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك. وسيدركون أهمية قرار حكومة الرئيس عرنوس التاريخي باعتماد التوقيت الصيفي.. وتبقى الخشية من أن تقدم الذئاب العلمانية المنفردة في مدينة تورنتو على تفجير ثغرتهم الزمنية لمنعهم من العودة لحضن الوطن، لظنهم أن أحوال البلاد والعباد قد تنصلح بغيابهم ، من يدري ؟!