الأربعاء, أبريل 2, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةصرافة الشوارع في دمشق.. سوق ظل موازٍ بين الحاجة والفوضى

صرافة الشوارع في دمشق.. سوق ظل موازٍ بين الحاجة والفوضى

هاشتاغ – حسن عيسى

على أرصفة دمشق، وبين طاولات بيع الخضار والملابس المستعملة، تُعقد صفقات مالية لا تقل أهمية عن أي عملية تجارية أخرى.

في هذه المساحات غير المنظمة، انتشرت ظاهرة صرافة الشوارع، حيث يعمل باعة متجولون وأصحاب بسطات على شراء وبيع العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأميركي، بعيدا عن المراكز المرخصة والرقابة الحكومية.

وتصاعدت هذه الظاهرة بعد سقوط نظام الأسد وسيطرة الحكومة السورية المؤقتة، بل وأصبحت تمثل تحدياً اقتصادياً كبيراً، إذ تؤثر بشكل مباشر على استقرار السوق المالية، وتخلق بيئة غير منظمة تزيد من مخاطر الاحتيال، وتضعف سيطرة المؤسسات المالية الرسمية على سوق الصرف.

صرافة غير مرخصة.. اقتصاد موازٍ في شوارع العاصمة

لم تعد تقتصر البسطات غير المرخصة على بيع المنتجات الغذائية أو الملابس المستعملة، بل تحولت إلى نقاط صرافة متنقلة، حيث يقوم أصحابها بعقد صفقات صرف العملات دون أي غطاء قانوني.

في مناطق مثل شارع الثورة وسوق الحميدية والحريقة والمزة وغيرها، يمكن ملاحظة هذه الظاهرة بوضوح، حيث يقترب العملاء من أصحاب البسطات ويسألون عن سعر الدولار وكأنهم يسألون عن سعر كيلو الطماطم.

يقول محمد، أحد بائعي الخضار الذين دخلوا سوق الصرافة غير النظامية، في حديثه لـ “هاشتاغ”: “أعمل في بيع الخضار منذ أكثر من 10 سنوات، ولكن مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة، اضطررت إلى إضافة خدمة صرف العملات إلى نشاطي. لا أملك ترخيصاً، لكن الناس يحتاجون إلى الدولار، وأنا أقدم لهم الخدمة بسرعة ودون تعقيدات”.

أما موفق، الذي بدأ عمله ببيع الملابس المستعملة قبل أن ينتقل إلى صرافة العملات، فيقول لـ “هاشتاغ”: “الناس يفضلون التعامل معي لأنني أقدم أسعاراً أفضل من المراكز المرخصة. أعلم أن هذا يؤثر على سمعة تلك المراكز، لكنني مضطر لأن أعيش. الحكومة لا توفر لنا بدائل، ولا توجد فرص عمل أخرى”.

الجهات الرسمية تتدخل.. حملة لضبط الفوضى

مع اتساع رقعة انتشار هذه الظاهرة، بدأ مصرف سوريا المركزي بتنفيذ حملة ضد صرافة الشوارع غير المرخصة، بالتعاون مع شرطة محافظة دمشق.

ووفقاً للمكتب الإعلامي للمصرف، فقد تم ضبط محال تجارية وأشخاص يمارسون أعمال الصرافة والحوالات دون ترخيص، كما تم اكتشاف عملات مزورة من فئات الدولار الأميركي والريال السعودي.

وحذر المصرف المواطنين من التعامل مع الصرافين غير المرخصين، مشيراً إلى أن ذلك قد يعرضهم لخطر تلقي عملات مزيفة، فضلاً عن الملاحقة القانونية.

ولكن رغم هذه التحذيرات، لا تزال عمليات الصرافة غير الرسمية مزدهرة، ما يثير التساؤلات حول مدى فاعلية هذه الإجراءات في الحد من الظاهرة.

مراكز الصرافة المرخصة.. الخسائر تتزايد

في المقابل، يشعر العاملون في مراكز الصرافة المرخصة بأنهم في مواجهة غير عادلة مع هذا السوق الموازي.

علي، أحد العاملين في مركز صرافة مرخص، يعبر في حديثه لـ “هاشتاغ” عن إحباطه قائلاً: “نحن ندفع ضرائب ورسوماً كبيرة للحصول على التراخيص اللازمة، لكن البسطات غير المرخصة تدمر سوقنا. يعملون دون رقابة ويقدمون أسعاراً غير واقعية، مما يجعل العملاء يلجؤون إليهم. نحن نعاني من خسائر كبيرة بسبب هذه المنافسة غير العادلة”.

ويضيف أن المشكلة لا تتعلق فقط بفقدان العملاء، بل أيضاً بتشويه سمعة سوق الصرافة بشكل عام، حيث يرتبط كثيرون بين عمليات الصرف العشوائية وانتشار العملات المزورة.

التأثير الاقتصاديواضطراب السوق وتدهور الليرة

لا تقتصر تداعيات صرافة الشوارع على أصحاب المراكز المرخصة، بل تمتد إلى الاقتصاد ككل، حيث تساهم هذه العمليات في العديد من الآثار السلبية التي يشرحها المستثمر في مجال الصرافة والعملات الأجنبية فادي جمعة لـ “هاشتاغ”:

  1. تقويض سمعة المراكز المرخصة: تخلق البسطات غير الرسمية منافسة غير عادلة، ما يجعل المستثمرين يحجمون عن ضخ أموالهم في هذا القطاع.
  2. تزايد الاقتصاد غير الرسمي: تفقد الحكومة القدرة على تنظيم السوق المالية، ما يعزز حالة الفوضى الاقتصادية.
  3. اضطراب سعر الصرف: تؤدي المضاربات غير المنظمة إلى تقلبات حادة في سعر الليرة السورية، ما ينعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات.
  4. انتشار العملات المزورة: غياب الرقابة يسهل تداول الأموال المزورة، ما يهدد الاستقرار المالي.

بين القمع والتنظيم: ما الحل؟

رغم محاولات السلطات ضبط هذه الظاهرة، إلا أن القضاء عليها بالكامل يبدو أمراً غير واقعي، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التي تدفع بالكثيرين للبحث عن مصادر دخل بديلة.

وقد اقترح بعد الاقتصاديين إيجاد حلول وسط، مثل تقنين بعض هذه الأنشطة عبر إصدار تصاريح مؤقتة للصرافين المستقلين، مع فرض إجراءات رقابية صارمة عليهم.

ولكن حتى يحدث ذلك، ستبقى صرافة الشوارع وجهاً آخر من وجوه الاقتصاد الموازي في سوريا، بين من يراها مصدر رزق لا بديل عنه، ومن يعتبرها خطراً يهدد استقرار السوق المالية ومستقبل الليرة السورية.

مقالات ذات صلة