Site icon هاشتاغ

صورة العالم من غزة

نضال الخضري

صورة العالم من غزة

هاشتاغ-نضال الخضري

ترتسم غزة في مشهد لا تعنيه الحرب، وتتلون عبر عالم يحترف إحصاء الضحايا وأشكال سُحب الدخان المختلفة، فهناك رمزية للحرب القائمة تتشكل في مساحة عالم يتسم باللامبالاة، وبإرث الانعزال رغم كل وسائل الاتصال، فعندما نشاهد حشودا يهتفون لفلسطين نتذكر بأن معجزة “التنوير” و “النهضة” و”الديمقراطية” مرت سريعا وخلقت عالما من التوحش، وأسست صورة الحرب التي نراها في غزة بين “رحمة” المجتمعات و “استبداد” السياسة.

هي أسئلة ترميها غزة في وجهنا عن القيم التي باتت قاتمة، والقانون الدولي الذي يبدو كنص هارب من أحلام الشرق، فالمفارقة أن المجتمعات “الرحيمة” التي تهتف لغزة هي نفسها التي تنتج نخب سياسية ترى العالم كأشرار وأخيار، وهي مفارقة قديمة لم تتأثر بعصر النهضة ولا بقيم الليبرالية الحديثة، ففي كل زمان هناك مشهد لحروب عابرة لم تتوقف، ولكن في غزة الصورة أكثر تلونا عن عالم لا يحتاج لفلسفات بقدر احتياجه إلى علوم تنتهي بآلة الحرب.

أقرأ المزيد: وميض الحرب

تبدو المفارقة في دمار غزة خلاصة الوجهين لعالم حقوق الإنسان والحريات التي تظهر في الشوارع نصرة لغزة، وتنتهي بصرخات ضائعة أمام “واقعية” السياسات العاجزة عن التحكم ببضع كيلومترات في معبر رفح، فما المعنى من موت الأطفال طالما أننا نسمع “زعيق الرحمة” في الشوارع الأوروبية، وأعلام فلسطين ترفرف بين الحشود على طول العالم، فهذا التعاطف السمج سينتج نخبا سياسية بعد سنوات، وسيبقى الموت معلقا على ضفاف غزة أو غيرها من المدن المحاصرة بعالم “متحضر”.

الرهان “على الشارع” ليس مغامرة فاشلة فقط بل تملص من مسؤولية مواجهة القيم “الملونة”، فالمعنى العميق للتعاطف مع غزة هو في حرية التعبير التي تطوف وراء الأبواب المغلقة للسياسة، وهو النظر إلى “الآخر” الذي يموت كجزء من رؤية أوسع تبدأ من البيئة وتنتهي بصلاة الغائب على أرواح الضحايا، فما يحدث في العالم هو “تجميل” ثقافي لقيم لم تحمل لنا سوى الموت، وربما أبهرتنا في قدرتها على خلق مجتمعات “رحيمة” وسياسات قادرة على إبداع “الموت الرحيم” أو حتى القاسي لغزة كنموذج للعالم المعاصر.

أقرأ المزيد: تفاصيل على هامش غزة

نحن رهائن التصورات التي تعتقد أن التاريخ موجود في “عصر الأنوار” الأوروبي، أو في حركة الحقوق المدنية داخل الولايات المتحدة، ونحن محاصرون بالرؤية البصرية لزخارف مدن العالم وهي تحتفي بمهرجانات ثقافية، أو بمظاهرات “مليونية”، فنتلفح بعباءة “القيم الملونة” ونمارس هجومنا المضاد بأدوات الآخرين، ونتضرع لتحالف القوة في الأمم المتحدة من أجل “هدن إنسانية”، وننسى أن عالمنا المعاصر تشكل على إيقاع “الانفجار” النووي في هورشيما، وأنه وليد حربين كسرت كل المجتمعات، فـ”الرحمة” البليدة هي فقط منكهات لتجاوز قسوة السياسة.

ربما علينا بناء متحف لـ”محرقة غزة” في كل عاصمة عربية حتى نخلق توازنا في التعبير عما يحدث، وربما نستطيع عبر الزمن اقناع أنفسنا أن خلاصنا لا يرتبط بتوازن القوى الدولي ولا بالتعاطف عبر المظاهرات في العواصم الكبرى، فالنخب السياسية تظهر من عمق الثقافات وليس من الصور العابرة للهتافات في الشوارع، وعندما نصل لقناعة بأن العالم ليس “رحيما” عندها سيرتاح أطفال غزة من الموت المتنقل بينهم.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version