الجمعة, ديسمبر 13, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةصورة حاضرة.. منزل خالد العظم

صورة حاضرة.. منزل خالد العظم

هاشتاغ-نضال الخضري

تسرقنا بعض الأماكن من الزمن الخانق، وتضفي لونا خاصا يتجنب السياسة لأنها شأن يصعب التعايش معه.

في دمشق لا يوجد بانوراما تاريخية إنما تصورات للأزمنة تتجاوز معضلة الشعارات القاسية، أو الحدث الذي يصعب تجاوزه، ففي النهاية تبدو بعض الأوابد على حداثتها بالنسبة لعمر المدينة حالة اقتطاع من الزمن، تدفع لرؤية هوية حضارية أو ربما مزاج اجتماعي نفقده بشكل سريع، فبعد تجاوز بوابة منزل “خالد العظم” تغيب تفاصيل الحقبة السياسية لتظهر عوضا عنها شكلا من “الوفرة” في التفكير بالحياة.

هذا الاقتطاع من الزمن الحاضر لا يقتصر على منزل خالد العظم الذي يجاور أكثر المناطق قسوة في دمشق، فالعبور من شارع الثورة باتجاهه هو بالفعل محاولة للقفز عن الواقع المعاش، والتفكير بأنماط الحياة التي وسمت دمشق في ذروة خروجها نحو دولة السيادة، فالبذخ ليس حالة اعتيادية بل إشارة إلى نوعية النخب “المنتقلة” ما بين عصرين، والمسألة ليست في تقييم هذه النحب بل بفهم مرحلة هاملة ليست بعيدة عما نعيشه اليوم.

عندما نتذكر خالد العظم فإننا نمر على ثلاث أحداث أساسية: فصل النقد السوري عن اللبناني، وبناء مرفأ اللاذقية وأخيرا صفقة السلاح من المعسكر الشرقي.

في المقابل فإن الدخول إلى منزله الذي أصبح متحفا، يحمل أيضا ثلاثة انطباعات:

الأول في مساحة الحِرَف التي لم تستطع أن تولّد صناعة، فحجم الجمال في كل الزخارف والإتقان في العمارة أصبح تراثا يصعب التعايش معه وسط اكتظاظ المدن، وللمفارقة أيضا فإن هذا الأمر ربما ينطبق على السياسة، حيث يصعب اعتماد مرجعية مرتبطة بما بعد الاستقلال، فالمجتمع السوري تراكب بطريقة لم تنتج مجتمعا سياسيا في مقابل مجتمع مدني، فالخمسينيات غدت تراثا لا يمكنه استيعاب تحولات مختلفة في مساحة سوريا.

الانطباع الثاني تقدمه القدرة على خلق مساحة واسعة للعيش لا يمكن وصفها بالقصر، لكنها تحمل نفس الرخاء وسط نسيج معماري دمشقي، حتى قصر العظم ببذخه يتسرب ضمن دمشق القديمة دون الوصول إلى شكل يشبه “قصر الأبلق” الذي بناه المماليك، ودمره العثمانيون ليشيدوا مكانه التكية السليمانية، وبالتأكيد فهناك تمايز في المساكن الدمشقية، أو غيرها من المدن السورية، لكنها تتراكب مع المدينة في مظهرها الخارجي، وهنا أيضا بمكن النظر لمفارقة جديدة، فالتِماس التكامل مع العام رغم التمايز الداخلي يشكل ما يمكن تسميته بـ”سوريا كمفهوم”، فهناك شخصية باذخة قادرة على الانسجام مع العام الأكثر قسوة، وهذه الظاهرة ربما بدأت بالاختفاء عشية الاستقلال عندما أصبحت النخب مساحة صراع من خارج المساحة السورية.

آخر انطباع هو الجمال الذي شكل سوريا، ويمكن أن يشكلها مستقبلا وسط واقع مأزوم، فمسألة الجمال هي قيمة متراكبة مع كل أشكال الحياة، وهي ثقافة يمكنها أن تجعل من الحياة مساحة حيوية وإنتاج، فالموضوع ليس بيت خالد العظم بل كل التفاصيل التي يمكن أن تتملكنا فنعيد إنتاجها من أجل الحياة.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة