هاشتاغ-نضال الخضري
لا تصدر هوليود صورة الأمريكي بمختلف أشكاله، بل ترسم أيضا أشكال الشعوب، فالذروة الثقافية الأمريكية تقذف بنا لتصورات عن “الإيطالي” كرجل عصابات، والروسي الذي رسم أشكالا جديدة للمافيا، وتدفعنا إلى مشاهدة “الفساد” في المعسكر الشرقي، وقسوة اليابان قبل أن تجتاحها الديمقراطية الأمريكية بعد قنبلتين ذريتين، فهوليود بنت عالمنا مهما حاولنا الانفكاك من تأثيرها لأنها تخلق للعالم مجالا يعبر عن “التفوق” الذي يعتمد على مجالات مختلفة.
بعض وجهات النظر ترى أن انتصار الولايات المتحدة على الاتحاد السوفيتي السابق كان بقوة تفوقها في الصناعة الدرامية، فهي رسمت مسبقا شكل انهياره عبر قدرتها على الانتشار الدرامي وخلق تصورات عن العالم المنقسم ما بين “دول النور” و “إمبراطوريات الاستبداد”، ودون تبني أي وجهة نظر تجاه ما قدمته هوليود.
إلا أن الصورة الذهنية حتى تجاه أنفسنا قدمتها “حركات الاستشراق” التي لا يمكن نكران الجهد البحثي الذي قدمته، ولكن في غياب جهد محلي مقابل تصبح صورتنا رهن كافة التوجهات البعيدة عن عمق ما نملكه من ثقافة، وهذا ما يحدث في ظل انتشار الشكل الهوليودي للثقافة المعاصرة.
صورتنا الذهنية اليوم شكلتها ثلاث عقود من انتشار الفضائيات التي أنعشت الإنتاج الدرامي، وعلى نفس الطراز الهوليودي في محاكاة أقصى حالات التطرف ظهرت أشكال درامية سورية لتحفر مسارات من العلاقات المشوشة، وقصص “مافيات” ربما لا نعلم بوجودها إلا من خلال الأعمال التلفزيونية، فغاب البطل القادر على تلمس حساسية الناس والانغماس بتفاصيلهم لصالح الفاسد القاسي.
وسط هذه الأعمال التي تعمقت كثيرا في تسعينيات القرن العشرين كانت أعمال “البيئة” النقيض لها حيث أصبح الماضي فردوسا مفقودا.
المسألة ليست نقدا دراميا بقدر كونها محاولة تلمس لصورتنا الذهنية التي يمكن بناؤها، ورغم أن جاذبية الدراما تلعب دورا هاما في هذا الأمر؛ لكن الكثير من الأشكال الثقافية كانت تائهة أيضا في تقديم تصورات لأنفسنا أو حتى للآخرين، وينقل هذا الأمر تعثر المشروع الثقافي أمام “المشروع السياسي”، ودون الدخول في تفاصيل “المشروع السياسي” إلا أنه كان يقف على مساحة ثقافية لم تضح معالمها حتى الآن.
السوري اليوم موجود في كل بقاع الأرض، وفي أكبر شتات نشهده في “تاريخنا الحديث” يظهر السوري كمغامر يتوقف على “المغامرة الأمريكية” في بناء الولايات المتحدة، فهو انتقل في طريق المجهول بوعي لمخاطر ما يقوم به، وقرر التواجد ضمن ثقافات لا تنتمي لعالمه، وقضية اللاجئين السوريين في العالم في صورتها الذهنية الأولى هي إنسانية، لكن عمقها الحقيقي ثقافي بامتياز.
إلا أن ما يحدث أن الشتات أصبح جزءا من الصورة الثقافية للمجتمعات الأخرى التي استضافت أعدادا كبيرة من السوريين.
من بقي في سوريا مغامر أيضا من الطراز الرفيع!!! كان يعلم المخاطر وفي معظم الأحيان ليس عاجزا عن الرحيل لكنه خاطر في تحد للوجود العام في مواجهة الخلاص الفردي، ولكن الصورة الذهنية ربما كتبتها الدراما أو البرامج التلفزيونية في المحطات الناطقة باللغة العربية، فالصورة الذهنية مازالت ترسمها الثقافات الأخرى رغم أنها جزء من قدرتنا على البقاء.