هاشتاغ- مازن بلال
يطرح الاتفاق الإيراني – السعودي ملامح إقليمية مختلفة تسعى لاستبعاد الحرب، فعلى إيقاع التصعيد في الملف النووي لإيران؛ ظهر التفاهم ما بين الرياض وطهران ليضع احتمالات الحرب في الخليج ضمن موقع جديد، ويقدم مؤشرات رغبة في تجنب النزاع رغم عمق الخلافات القائمة على ضفتي الخليج العربي.
عمليا فإن “المصالحة” بين البلدين تتجاوز الحالة الإقليمية لأنها تمت برعاية صينية حسب ما هو معلن، ولهذا الأمر مدلولان يرتبط الأول بالدور المتصاعد لبكين وبشكل يزعج الولايات المتحدة، وأما الثاني فيتعلق بنوعية العلاقة بين الإدارة الأمريكية والمملكة، فقيام الصين بمحاولة لنزع فتيل الصراع بين حليف أمريكي وآخر معاد لواشنطن هو بذاته تحول في حركة النظام الدولي عموما، ومستقبل هذا الاتفاق سيطرح من جديد توزعا للقوى الدولية في المنطق.
و بالرغم من أن الولايات المتحدة مازالت الأكثر قدرة على التحرك بفعل تفوقها العسكري والدبلوماسي، لكن علينا ملاحظة الاختراق الذي قامت به الصين في منطقة تتحرك تاريخيا في فلك واشنطن، فنحن أمام ظاهرة جديدة تطرح ثلاث أمور:
– الأول أن المحرك الأساسي للاتفاق هو عدم الرغبة في الدخول بصراع عسكري؛ حتى ولو لم تكن السعودية طرفا فيه لكنه سينعكس مباشرة على مستقبل الخليج وقدرة السعودية بالدرجة الأولى في تنفيذ برامجها التنموية.
ضمن صورة أولى لهذه المصالحة فإنها نوع من محاصرة بؤرة التوتر، ومنح السعودية قدرة أكثر على التحرك في الملفات التي تؤجج الصراع بين طهران والعديد من الأطراف، فواشنطن التي رحبت باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران؛ لا ترى حتى اللحظة أي مؤشرات يمكن أن تؤثر على مساحة نفوذها في الشرق الأوسط، فهي تملك ما يمكنها من تحصين مصالحها رغم كل الاحتمالات الممكنة.
– الأمر الثاني أن إعادة توزيع القوة في الشرق الأوسط عبر تطويق الخلاف السعودي – الإيراني سيقدم توازنا إقليميا أكثر من كونه زيادة في تأثير القوة لطهران على حساب “إسرائيل” على سبيل المثال، فهو يضع حسابات جديدة أمام البلدين دون أن يتيح لأي منهما فرصا جديدة لتجاوز الواقع القائم حاليا.
بالتأكيد لن يكون الوضع مريحا لـ”الحكومة الإسرائيلية” وفي نفس الوقت لا يقدم كسبا لإيران المرهقة أساسا بالعقوبات، وبالتأكيد فإن الواقع الدولي يحتاج اليوم إلى وسيط إقليمي يقارب الدور السوري خلال الحرب العراقية – الإيرانية، حيث كانت دمشق تتمتع بعلاقات متينة مع كل من الرياض وطهران وبشكل يمنع توسع الحرب وتبادل الرسائل بين الطرفين.
– الأمر الأخير هو أن العلاقة الإيرانية – السعودية مشروط نجاحها بالقدرة على تطويق الأزمات، وعلى الأخص اليمن وسورية، ورغم أن إعادة العلاقات الدبلوماسية لا يعني الوصول إلى أرضية استراتيجية بين البلدين، لكنه على الأقل يقدم ممكنات على التأثير في النزاعات كون البلدين “متورطتين” على الأقل في حربي سوريا واليمن.
كل ما تملكه المنطقة اليوم هو احتمالات فقط، ورغم أن تبريد الأجواء بين طهران والرياض هو بحد ذاته “خرق” إقليمي، لكنه يحتاج أيضا إلى مساحات دبلوماسية حتى لا يصبح اتفاقا لتطبيع العلاقات فقط دون أي تأثير آخر على باقي المنطقة.