هاشتاغ-رأي- نضال الخضري
قبل عام 2011 كانت سوريا أرضا مفتوحة لمساحة الحرب في شرقها وغربها، ففي العراق أصبحت سوريا أقرب نقطة يمكن الوصول إليها، وفي لبنان كانت حرب 2006 اختبارا آخر لقدرة المجتمع السوري على تحمل عبء ظاهرة اللجوء.
وبالتأكيد لم يكن هناك نية سواء للعراقيين أم للبنانيين للاستقرار النهائي على الأرض في سوريا، فهم زوار وليسوا لاجئين، ولم تظهر مخيمات تضمهم وكانت الحروب مؤقتة أو حدثاً طارئاً، لكن اللافت أن أحداث بداية القرن الحالي أوجدت صورة أولية لاضطرابات يصعب تجاهلها في يوم اللاجئين العالمي.
بالتأكيد لا نستطيع مقارنة ما حدث في الجوار السوري بأحداث عام 2011 وما بعدها، لكنه بالمفهوم العام كان للسوريين لجوءا إنسانياً يمكن استيعابه خارج أي إطار سياسي.
بينما شكلت الحرب السورية تحولاً في الديمغرافيا قبل أن تصبح ظاهرة لجوء، وشكلت نتيجة سنوات الحرب الطويلة حالة معقدة وسط محاولة دول الجوار السوري تشكيلها كظاهرة سياسية وليست إنسانية.
النتيجة التي نقف اليوم أمامها ويذكرنا بها اليوم العالمي للاجئين هي شكل المجتمع السوري، والعلاقة الناشئة التي خلقت نوعاً من الاستنزاف الاجتماعي، فاللجوء وبصرف النظر عن الأبعاد السياسية كلها التي تحكمه، أوجد فراغاً يصعب التعامل معه فيما يخص الأجيال الناشئة التي وجدت نفسها أمام بلد لا يملك رصيداً بشرياً متماسكاً، ولا يستطيع ترميم الفجوة بين الأجيال التي سبقت الحرب وتلك التي ظهرت في عقد ونصف من الزمن.
مسألة اللجوء باتت لسوريا أزمة تنموية بامتياز، خصوصاً أن سنوات الحرب لم تدفع أصحاب الاختصاصات العليا للخروج من البلد، بل دفعت الحرفيين أيضاً للهرب من الحرب الدائرة، فالأجيال الجديدة تتعلم بالخبرة الذاتية، وهي قادرة بالتأكيد على تجاوز هذا الوقع، لكنها مرهقة ولديها أحلامها باللحاق بمن سبقوها نحو بلاد ربما ليست أقل إرهاقاً لكنها على الأقل تشكل حلماً مختلفاً.
قبل أن يصبح اللجوء مسألة عالمية كانت سوريا تفقد أحلامها نتيجة الحرب، وبدت على مساحة من التحول الذي جعلها تغرق في الحرب ثم في التضخم الاقتصادي، وأصبح اللاجئون أكثر من صور لحالات الغرق في البحر، فهم في النهاية حالة “اقتطاع” من النسيج الاجتماعي، ويظهرون ظهوراً مفاجئا في الشوارع الأوروبية وسط بريق الحياة الذي خبا في سوريا عبر سنوات الحرب الطويلة.
يوم اللجوء العالمي ليس أعداداً بشرية منتشرة في أصقاع الدنيا بل رواية طويلة لكل فرد اضطر أو قرر الهروب، وهو يملك ما يكفي من المبررات المقنعة للمخاطرة بالانتقال، والنتيجة هي نسيج اجتماعي مستنزف لأبعد الحدود.
فاللجوء بنظر المجتمع السوري يتجاوز هذا الاهتمام الدولي “البائس” لأن الحروب في النهاية لا تحتاج إلى حديث طويل فهي جزء من تاريخ البشرية، وما يبقى هو التصور النهائي لمجتمع يسعى إلى ترميم نفسه، والتوازن في أرض ما زالت تعيش تداعيات حرب طويلة.