الأحد, ديسمبر 22, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةصور جديدة للذاكرة

صور جديدة للذاكرة

نضال الخضري

انتهت كل الملامح القديمة التي كانت تطوف بنا ونحن ننظر إلى الماضي، فحتى الحرب السورية تبدو غائمة رغم كل قسوتها، والصورة التي تشكلنا اليوم هي نهاية لعالم لم يكن وديعا لكنه على الأقل منحنا قليلا من الثقة، وهامشا نستطيع فيه رؤية الأمان الذي تسرب بشكل سريع، وبات اليوم هواجس منتشرة لا تقف عن الحدود أو أسوار البلدان المرتفعة أكثر من اللازم في المعابر الحدودية.

عالمنا يتشكل من جديد على إيقاع “المسيرات” التي باتت مصطلحا يلخص زمن الخوف، ويتكون أيضا من “لحظة الغفلة”، ولمن لا يعرف هذا المصطلح فهو يعني ظهور “الموت” دون سابق إنذار، ودمار المنازل مع جهل مطلق بالزمن الذي يسبق الدمار، فهو يصدمنا ومن ينجو سيسمع عن اعتداء حدث، أو “اغتيال” جرى في “غفلة” من العمر، ثم تركنا في قلق يدمر أي يقين مسبق بأن “عالمنا” كان في يوم من الأيام “آمنا” أو على الأقل غير مستباح بهذه الطريقة الوقحة.

مشكلتنا أننا أمام صورتين: الأولى من عدم اليقين الذي يرسمنا في كل لحظة على إيقاع “الموت المفاجئ”، والمشهد الثاني هو مجموعة لصورة يصفعنا بها الإعلام عن بلاد “الترفيه” التي تبدو كفردوس مفقود ولكنها “جنة افتراضية”، لا نستطيع تخيلها دون شاشات التلفزة وبرامج المسابقات والبطولات التي وجدت فجأة فوق صحراء العرب، ومأساتنا ليست فيما يريده الآخرون فهم أسياد أرضهم، وخياراتهم لا تعنينا إلا بقدر ما يجبرنا الإعلام على متابعته، فنحن أسرى “الفضائيات” وتفردها على عالمنا الافتراضي.

ربما علينا إعادة رسم مشهد الحصار من جديد، فهناك في “أرض قديمة” فوضى للموت، وحدود قاسية تشكل غباشة يصعب عبرها رؤية أي أفق أو حق أو جمال، وهناك أيضا عصر “المسيرات” التي تحوم فوقنا وكأنها علامات لتمييز مناطق منزوعة من الحياة، ففي كل لحظة تصبح تلك الأرض رمزا لزمن فشل الجميع في رسمه فتركوه ليصبح ذكرى من الماضي، أو هلوسة لتاريخ بات فقط ضمن الصفحات الموجودة في المكاتب الكبرى، وفي قاعات المتاحف التي تريد إدهاش الزائرين فقط.

عندما تخلق أي مسيرة دمارا فإننا ندرك تفكير الآخرين بنا، ونعرف أن صورنا باتت أحداث عنف فقط، ومدننا رموز لأشكال الفوضى والرعب وذلك مقابل حكمة أخرى مزروعة في “بلاد الترفية” والتظاهرات الفنية والرياضية، وانتقال هوليود بشكل مفاجئ إلى ديارنا، وبهذه المفارقة يظهر عالمنا من جديد على إيقاع “مدن المسيرات”، والأحياء التي يرصدها الآخرون من الأعلى قبل أن يزرعوا موتا مباغتا، فهناك “شاشات” وفضائيات أخرى تنقل تفاصيلنا لحظة بلحظة لجمهور ضيق، ولغرف مغلقة تقرر نوع المفاجأة القادمة نحونا.

من بغداد إلى دمشق وبعدها بيروت هناك عالم آخر لا يحوي مدخرات للترفيه، أو مهرجانات “هوليودية” المظهر، فهو يتشكل كنموذج أو “عبرة لمن اعتبر”؛ وعقاب جماعي لزمن ولى كانت فيه تلك المدن مساحة قوة ومعرفة وسيادة، وتشهد اليوم “المفارقة الكبرى” وزمن “المسيرات” التي ترسم مصيرا مفاجئا يرهب الجميع.

مقالات ذات صلة