التفكير بما يحدث في دماغ الإنسان أمر معقد للغاية بل غير مريح بشكل غريب، لأن معظم الوظائف الإدراكية تحدث دون أن يتم ملاحظتها على الإطلاق.
إن معرفة مكان مفاتيح البيت أو السيارة أو تذكر موعد أو فهم السنة هي أفكار تنطلق في الدماغ من دون أي عائق، لذا فإن تشخيص إصابة الشخص بضعف الإدراك الخفيف يمكن يكون مشكلة مؤرقة ومزعجة.
و هذيبحسب ما نشره موقع “Opera Daily”، تقول بروفيسور سارة ماكاي، عالمة أعصاب ومؤلفة كتاب “كتاب دماغ المرأة”، إن هذا التشخيص، الذي غالبًا ما يُشار إليه اختصارًا بـ”MCI”، يتميز بتغيرات دقيقة ولكن ملحوظة في الذاكرة والقدرة الإدراكية.
وتوضح أنه “تدهور أكثر مما هو متوقع لعمر شخص ما”، وبينما يبدو ضعف الإدراك الخفيف مخيفًا، لكنه لا يشير إلى النهاية حيث إن هناك طرقا بسيطة للحفاظ على حدة العقل وتقليل الأعراض، كما يلي:
أعراض بسيطة لكن مزعجة
تقول بروفيسور باتريشيا بويل، اختصاصية في علم النفس العصبي تعمل مع مركز راش لمرض الزهايمر في شيكاغو وتعمل في مجلس أمناء مؤسسة ماكنيت لأبحاث الدماغ، إن فقدان الذاكرة هو العلامة الأساسية، ولكن يمكن أن يشمل الاختلال المعرفي الإدراكي أيضًا “صعوبة في التفكير المعقد، أو اتخاذ القرار، أو الانتباه”.
وتشير إلى “أنه تكون هناك صعوبة في تذكر الأشياء والأنشطة والأحداث. إنها [حالة] تتسلل إلى الحياة اليومية لشخص ما بطريقة مزعجة بعض الشيء”.
وتضيف بروفيسور ماكاي أن الأعراض يمكن أن تبدو على نحو “نسيان محادثة حديثة أو البدء في فقدان أشياء مثل المفاتيح أو النظارات أو الهاتف [بشكل متكرر] – وليس مرة واحدة فقط”، كما أن هناك أمثلة أخرى مثل صعوبة في متابعة حبكة فيلم سينمائي أو تشتيت الانتباه كثيرًا لإنهاء مهمة بسيطة مثل الغسيل.
النسيان بشكل متكرر
فيما تقول بروفيسور بويل “يمر جميع الناس بلحظات حيث لا تكون الوظيفة الإدراكية مثالية لمجموعة متنوعة من الأسباب”.
ففي بعض الأحيان، يعاني الشخص من ضباب الدماغ بسبب مثل كوفيد طويل الأمد أو انقطاع الطمث أو الإجهاد بسبب عرض تقديمي قادم، أو النوم لمدة أربع ساعات فقط. ولكن بالنسبة لمعظم الناس، تتقلب هذه الميول ولا يعانون من هذه الحالة طوال الوقت. يتميز الاختلال المعرفي المعتدل بقضايا معرفية مستمرة أو انحدار ثابت في وظائف المخ. لكي تشكل ميول مثل فقدان المفاتيح الاختلال المعرفي المعتدل، يجب أن تكون مصحوبة بأعراض أخرى مماثلة تحدث بشكل منتظم.
أسباب متعددة للاختلال المعرفي
تشرح بروفيسور ماكاي أن البعض يصابون بالاختلال المعرفي المعتدل نتيجة للأدوية.
وتوضح أنه سبب أساسي لكن يمكن التغلب عليه إذا تم تغيير الأدوية بمعرفة الطبيب المعالج، كما أن هناك أسبابا أخرى يمكن تجنبها رغم أنها ربما لا تكون واضحة جدًا، مثل الاكتئاب أو الإجهاد الشديد.
خرف وزهايمر
ونوهت بروفيسور ماكاي إلى أنه بشكل عام، إذا لم يتمكن الشخص من تحديد أي سبب أساسي لضبابية الدماغ، عندئذ يكون قد حان الوقت لاستشارة طبيب متخصص، لأنه بكل أسف “يُنظر إلى الاختلال المعرفي البسيط على أنه مرحلة ما قبل السريرية للخرف”.
ومن جانبها، تشير بروفيسور بويل إلى أن “الأفراد الذين يعانون من الاختلال المعرفي البسيط هم أكثر عرضة بنحو سبع مرات للإصابة بمرض الزهايمر أو الخرف أو أشكال أخرى من الخرف مقارنة بأولئك الذين لا يعانون من الاختلال المعرفي البسيط”.
وأوضحت أن الفرق بين الاختلال المعرفي الخفيف والخرف هو أن التغييرات أكثر جذرية – وأكثر عدوانية، حيث يمكن ألا يتمكن مريض الخرف أو الزهايمر “فعليًا من الاعتناء بنفسه ومواصلة حياته اليومية”.
إبطاء تدهور الخلل الإدراكي
إن الخبر السار هو أنه من الممكن إبطاء تقدم الاختلال العقلي الإدراكي، من خلال التركيز على نمط حياة صحي بما يحافظ على عمل العقل بأفضل ما في وسعه.
و يمكن أن يميل البعض إلى الانضمام إلى قافلة متناولي الأدوية على الفور، لكن الأبحاث لا تزال تحدد مدى فائدة الأدوية المستخدمة لعلاج الخرف ومرض الزهايمر في الاختلال العقلي الإدراكي.
لذا، فإن النصيحة هي الاستعانة بطبيب متخصص لتحديد الخيارات الأنسب ومراقبة التطورات المستمرة.
الوقاية من الاختلال الإدراكي
يمكن تقليل خطر الإصابة بالاختلال الإدراكي البسيطة لكن لا يمكن الوقاية من الإصابة به.
تقول بروفيسور ويندي سوزوكي، عالمة الأعصاب وأستاذة العلوم العصبية وعلم النفس في جامعة نيويورك ومؤلفة كتاب “دماغ صحي، حياة سعيدة”، إنه ليس من المبكر أبدًا – أو متأخرًا جدًا – تنفيذ تغييرات في نمط الحياة من شأنها تعزيز صحة الدماغ ومرونته.
تقول بروفيسور ماكاي إن دراسة حديثة وجدت أن حوالي 45% من حالات الخرف يمكن الوقاية منها إذا تم التعامل مع عوامل الخطر القابلة للتعديل مثل فقدان السمع وارتفاع نسبة الكوليسترول الضار في الدم والافتقار إلى التعليم المستمر.
وشاركت بروفيسور سوزوكي مؤخرًا في تدريس سلسلة فصول متقدمة تحت عنوان “صحة الدماغ”، والتي غطت طرق القيام تقليل أعراض الاختلال الإدراكي وخطر الإصابة به.
تقول بروفيسور سوزوكي “إن الأشخاص الذين يعيشون لفترة أطول مع إدراك جيد هم أشخاص نشطون، وهم يتحكمون في التوتر، وهم لا يتناولون أطعمة عالية السكر أو فائقة المعالجة”.
وتوصى بممارسة التمارين الهوائية والحصول على نوم جيد وتناول الطعام النباتي أو الصحي بشكل عام.
5 عناصر لتقوية الذاكرة
كما تحدد بروفيسور سوزوكي أربعة عناصر تجعل الذاكرة تلتصق هي: “التكرار والتجديد والارتباط والرنين العاطفي”، مضيفة أن هناك مفتاحا آخر غير متوقع ولكنه أساسي لحماية الدماغ هو تحديدًا الشعور بالهدف.
وتقول بروفيسور بويل: “إن أحد المؤشرات القوية جدًا للنتائج الصحية هو الشعور بأن حياة [المرء] ذات مغزى. إن الأشخاص الذين يوجد لديهم هدف عالٍ في الحياة هم أقل عرضة للإصابة بالضعف الإدراكي البسيط أو أنواع أخرى من الخرف بمقدار الضعف مقارنة بأولئك الذين لديهم هدف أقل”.