الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةطقوسُ الحُبْ والحَربْ: ليس كلُّ الناجينَ أحياء

طقوسُ الحُبْ والحَربْ: ليس كلُّ الناجينَ أحياء

هاشتاغ-عصام التكروري

قد يحدثً أنْ تقعَ الحربُ، وتتساءل : كيفَ لها على حينِ غرّةٍ أنْ تقع الحربُ؟

ببساطة، لمْ يحدثْ ذلكَ فجأةً، لكنّكَ نسيتَ أنّه ثمةَ شخصان لا يحتاجانِ لدعوةِ منك لاجتياحك إذا ما لمسا لديكَ ضعفاً يشوبهُ استعلاء: صديقك وعدوك، الأول ليشدَّ عضدك أو يردِّك إلى الصواب، والثاني ليفُتَّ فيه ويساعدكَ على غيّكَ فيُسهّل تدميرك،
كذلك الحُب، لا يحدثُ فجأة، لكن أنتَ لم تنتبه أنَّهُ جاءَ بعدما أنضجكْ،
وعلى نارِ التّمني والانتظارِ قلًّبَكْ،
وراضياً بكلِّ أشكالِ الهوانِ صيّركْ،
فباتَ ـ مع المُعنّى أحمد رامي ـ يناديها مَدمَعكْ:
{عزة جمالك فين من غير ذليل يهواكْ}
{وتجيب خضوعي منين ولوعتي في هواكْ}.

قد يحدثُ أنْ تكونَ الحربُ هي المسؤولةَ عن جلبِ الدمارِ،
لكنْ ثمةَ دمارٌ هي منهُ براءْ لأنَّها لم تجلبهُ … بلْ أماطتْ عنّه اللثامْ،
كذلك الحُب، ما كانَ لهُ أنْ ينقبك،
هو فقط مالَ عليكَ كليلاً فاكتشفتَ كم عتمةٍ تسبحُ داخلك.

قد يحدثً أنْ تُعرِّفكَ الحربُ بأعدائكَ، لكنكَ ستخسرها مرتينْ مالم تُعرِّفكَ بالعدو الكامنِ في نفسكَ، العدو الذي ـ قبلَ معاولهمُ ـ هدَمَكَ ، ومنْ مُستضعفِ القشِّ الذي اخترتَهُ أحرقكَ ، لحظةَ ظننتَ أنَّ الأرضَ مُهِدتْ لتدوسها وحدكَ، بينما كنتَ تسيرُ في كمينٍ اسمهُ “مَجدُكَ”، ونسيتَ أنّهُ ” ليسَ في أعداءِ الإنسانِ ما هو أشدُّ وحشيةً من المَجدْ، المَجدْ الذي يفترسُ النفسَ في مواكبٍ من العناقِ والابتسامِ .. ويضعفُ الرؤيا وكلّ وسائلِ الاتصالِ بالأشياءِ وبالآخرين و يضللها… المَجدُ يعاني من ضعفِ الحواسِ لأنّهُ لا يرى ولا يسمع سوى نفسه” كما يقول الفيلسوف السعودي عبد الله القصيمي.

وكذلكَ يفعلُ الحُبُّ، فهو “كأغمارِ حنطة”يعانقكَ،
يدرِسكَ ليُظهرَعريَّكَ … ومن ثمَّ يطحنكَ
حتى إذا لاحَ نقاؤكَ …لنارهِ أدخلكَْ
وخبزاً على مائدة الرَّبِ صَيرّك ،
يا جوعَ الأفئدةِ….هيتَ لكْ
ويا جبرانُ … ما أجملكْ.

وقد يحدثُ أنْ تنتهي فجأةً الحرب، ويحدثُ أن نندمَ على ما فعلناه، وحتى لا يكونَ الندمُ هو الخطأ الثاني عليكَ أنْ تقومَ بواجبِ الذاكرة Le devoir de mémoire أي أنْ تستنطقَ أسبابَ الدمارِ في نفسكَ قبل محيطكَ،وتعمل على تجاوزها، وأنتَ تقومُ بواجبكَ هذا تذكرْ دائماً أنّ الأفعى ـ وليست الإيديولوجيا ـ هي من ابتلعَ عشبةَ الخلودِ، فالأفكارُ تشيخُ، وكينونة العقلِ في تجددهِ، و تجددهُ يكمنُ في التخلي عن الأفكار الخَرِفة التي تلغي الآخر، و التخلي عن الأفكار التي تكتسبُ وثوقيتها من خِرافِ الأدمغةِ التي ترعى عشبَ الخطابةِ في مضاربِ العنترياتِ وكلأ الاستسهالِ المُسهِّلِ للسقوطِ في حضنِ حربٍ جديدةٍ.

أما في الحُبِّ فَجُلَّ ما نحتاجهُ هو ذاكرةٌ تُجيدُ فنَّ النسيانْ
إلا نسيانَ الندمِ على كلَّ ما كانَ بالإمكانْ
أن نفعلهُ قبلَ أنْ يصبحَ الحُبُّ “كان ياما كان”.

وأخيراً، يحدثُ أنْ تقعَ فجأةً حربٌ،
تصنعُ الدمارَ وتكشفُ عنهُ،
تُعرّفكَ بنفسكَ وبأعدائكَ،
ويحدثُ أنْ تنتهي فجأةً بخبرٍ سعيدٍ يقول:”هناكَ ناجونْ”، ناجونَ ينتظرونَ منَ الرُّبانِ أنْ يحملهم على مركبٍ آخرٍ، يقوده طاقمٌ جديدٌ ميمماً شطرَ أرضٍ يلوحُ بها غصنُ زيتونِ البشارةِ، هنا فقط يكونُ للنجاةِ معنى اسمهُ :”شيء يشبهُ الحياة”.

أما في الحُبّ فالأمرُ لا يحتملُ الخيارات إذ ما من ناجٍ حيٍّ… وحسرتاه،
والقاربُ الذي يصلُ اليابسة هو قاربٌ غارقٌ…
أو صدفةً تاه …
يا للجَاه !!

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
مقالات ذات صلة