Site icon هاشتاغ

عارٌ في بلاد الشمس والقمح: بالخبز وحده يحيا السوريون.. ولا يجدونه.. تقنين الخبز وصفات للتجويع والإذلال: ابحث عن “المستفيد الوحيد”

الطعام

خلال عشرات العقود.. كان بيتها مفتوحاً لكل الضيوف، والدعوة لتناول الطعام نابعة من القلب، هكذا اعتادت عليا حسن طوال ثمانين عاماً.

هاشتاغ – يسرى ديب

تقول والدموع تملأ عينيها: “جاء ابني البكر، والله عم اعزم عليه إذا كان يرغب في العشاء، وأنا أخشى أن يقول نعم، ماذا سأفعل لم يبق خبز في البيت؟”!

حال الثمانينية عليا حسن يشبه حال غالبية السوريين، خاصة أبناء القرى منهم الذين اعتادوا إكرام العابرين لقراهم، فكيف الحال بضيوفهم؟ ولكن الآن لم يعد الوضع كذلك.

تقول الجدة عليا التي تعيش هي وأسرة ابنها في بيت العائلة إن مخصصات الخبز اليومية لا تتجاوز السبعة أرغفة، لأن أسرة ابنها ثلاثة أفراد، (وهي ليس لديها بطاقة ذكية لتحصل على مخصصاتها) وهذا العدد بالكاد يكفيهم هي وأسرة ابنها، وأصبح عليها أن تصبح بخيلة في أواخر عمرها كما تقول، بعدما عزّ عليهم تأمين كل متطلبات الحياة اليومية.

أما القصة الأكثر وجعاً فهي ما روته طبيبة تعمل في مركز صحي في قرية بريف جبلة، عن حالة طفل في العاشرة من عمره راجع المستوصف بصحبة والدته، شكى من التعب، تقول الدكتورة بدت على وجهه علامات شحوب، سألته الطبيبة التي فضلت عدم ذكر اسمها متى تناولت طعامك، فأجابها: “اليوم مو دوري”!!

أسرة هذا الفتى الكبيرة الفقيرة تعتمد طريقة تخصيص وجبة الأكل حتى الشبع بالدور كل يوم لفرد من أولادها الثمانية!

خبز “بايت”
أضافت ليال عبد الرحمن من ريف اللاذقية وهي أم لأربعة أطفال أنهم لم يأكلوا سوى الخبز ” البايت” منذ بدأ مشروع توطين الخبز وتحديد عدد الأرغفة، لأن عليهم وعلى غيرهم من الناس أن يخبؤوا ربطة اليوم، رغم أنه لا يوجد براد لحفظها بسبب انقطاع الكهرباء الطويل، ولكن لا بد من ذلك لأنه يجب أن يبقى في البيت ربطة خبز كاحتياط لأجل يوم عطلة الأفران.

تضيف أحلام السالم وهي تعيش في سوية اقتصادية يمكن وصفها بالمتوسطة لأن زوجها يعمل في صناعة الألبسة أنهم يحتاجون يوم الجمعة إلى ثلاث ربطات خبز لأن هنالك من يضيفهم دائماً في هذا اليوم، ومخصصاتهم لا تتجاوز ربطتي خبز يومياً لأسرة مؤلفة من 6 أشخاص، لذلك يجدون الحل في شراء الخبز السياحي وسعر الربطة 1200 ليرة، لذا من الصعب، وقد يكون من المستحيل أن تتمكن غالبية الأسر من سد النقص لديها في الخبز عن طريق الخبز السياحي، فأعباء الحياة المادية لم تترك فرصة لخيارات غير التقتير والجوع كما أضافت.

الخبز كهدية
نقص الخبز فرض على الناس عادات وسلوكيات جديدة، وأصبحت ربطة الخبز من ضمن الهدايا التي يتم تداولها عند الزيارات، تقول المدرسة لمياء علي من ريف طرطوس عندما زارتني صديقتي أحضرت معها ربطة خبز، وكنت سعيدة في هذه الهدية.

وقال بعض من يطبق عليهم أسلوب التوطين إنهم يعتادون رويداً رويداً على التعايش مع فكرة نقص الخبز وأصبحوا يطلبون من زوراهم اصطحاب “خبزاتهم معهم لأن المتاح لديهم عالقد”.

ولكن هذا لا يعني أن الناس لا تعيش حالة قلق دائمة، من الإحراج أمام ضيوف لا يمكن إكرامهم بسبب نقص الخبز، وما يحصل حالياً تصفه الموجهة التربوية هناء العبد من ريف اللاذقية بالعمل على فرض عادات المدينة على أهل الريف بالإكراه.

الغداء بلا خبز
تتحايل الأسر على نقص الخبز بشكل يومي، وأصبح التركيز على تحضير أنواع من الطعام لا تحتاج إلى الخبز على وجبة الغداء، كالمجدرة، أو الرز، وذلك بقصد توفير مخصصات الخبز اليومية لوجبتي الإفطار والعشاء التي لا يمكن تناولها من دون خبز، خاصة أنها تعتمد على النواشف (كالبطاطا أو الزعتر، وأحياناً البيض)، أو لتلبية طلب الأطفال بالسندويشات، تضيف العاملة ساميا إن نقص الخبز في بيتها يجعلها في حالة قلق كبيرة، لأن أولادها الأربعة في عمر النمو، واستهلاكهم من الخبز كبير.

مخصص “للمرمطة”
لا تهتم المحامية رنا حمود للكميات التي تستلمها أسرتها من الخبز، وتؤكد أن أهلها يحصلون على عدد كاف من ربطات الخبز لأن العائلة بأكملها البالغة ثمانية أشخاص لا يستهلكون الكثير من الخبز، وتكفيهم كمية أقل من التي يتسلمونها، وتعتقد أن الكميات التي يحصل عليها المواطنين عموماً مدروسة، بحيث تكفي كل أسرة بشكل لا يتلف من الخبز أي شيء في حال كانت الحياة اليومية عادية وروتينية، ولكن تطرح مشكلة أخرى وهي طريقة الحصول على الخبز، حيث أن تحديد الكميات اليومية والأسبوعية للرغيف، يتطلب تسخير شخص في البيت يومياً “للمرمطة” والحصول على الخبز والاصطفاف في طوابير المنتظرين لإحضار الكمية المخصصة، وفي أي يوم يتغيب عن هذه المهمة سيحصل انقطاع في الخبز، لأن مخصصاته غير قابلة للتدوير أو الاحتفاظ بها لليوم التالي عند المعتمد أو الفرن، ويوم الجمعة لن يحصل على الخبز لأنه عطلة الأفران.

والخلاصة كما تضيف المحامية أن تقنين وتوطين الخبز كان بإمكانه أن يكون مقبولاً فيما لو كانت الكمية قابلة للتدوير، بحيث تحصل الأسرة على كل الكمية الأسبوعية مرة واحدة كل أسبوع عوضاً عن كل يوم.

وتضيف حمود أن الأسوأ في موضوع التوطين هو صعوبة حصول الأسرة التي تنتقل إلى مكان آخر للعمل في الأرض أو لأي سبب كان على مخصصاتها من الخبز، وأن الأمر يتطلب العودة إلى المعتمد ذاته مهما كانت المسافات بعيدة، خاصة أن الكثير من العائلات تملك أراض زراعية بعيدة عن المناطق التي تسكنها، كأن يكون سكنها في جبلة بينما لهم منزل في الريف يقصدونه للعمل في الأرض أو في مواسم قطاف الزيتون، وهنا تصبح الكميات المخصصة غير كافية نهائياً لمن يقوم بأعمال الأرض المجهدة.

وظلت سيئة
تدخلت وزارة التجارة الداخلية بالكثير من المواضيع المتعلقة برغيف الخبز، حيث حددت عدد أرغفة المخصصة لكل مواطن، وحددت له أيضاً المكان الذي يجب أن يحصل عليها منه، واليوم الذي لا يوجد فيه خبز مع عطلة الأفران الموحدة يوم الجمعة، ولكن تغاضت عن حل المشكلة التاريخية الأهم وهي سوء إنتاج الرغيف عموماً، وفي هذه المحافظات التي تطبق عليها تجربة توطين الخبز خصوصاً ( طرطوس حماة اللاذقية) لتكون المشكلة أن الكثير من الكميات المخصصة القليلة أصلاً غير صالحة للاستهلاك في الكثير من القرى، ورغم كل هذه القلة والتدابير ما زال للحيوانات حصة لا بأس بها من مخصصات الناس للخبز.

تقول سونيا سليمان من ريف اللاذقية إنهم يضطرون لإتلاف الكثير من مخصصاتهم التي لا تكفيهم أصلاً، لأن الخبز الذي يصلهم لا ينفع سوى كعلف للحيوانات رغم حاجتهم له، لكنه سيء للغاية ويتفتت.

وفي تعقيب له على الفيس بوك قال علي محمد إن الشيء المستغرب هو في منع الناس أن تأخذ مخصصاتها من الأفران مباشرة، فأصبح الخبز يتكدس في السيارات ويذهب إلى المعتمد ليصل “معجن ومحمض وما بيتاكل”.

ولو أن الآلية المعتمدة للخبز كما في الحصول على المخصصات من البنزين لكان الوضع أفضل، وكان للناس خيار انتقاء الكازية الأكثر نظافة والأقل سرقه وغش، وهذا قلب المعادلة، فعوضاً عن أن تتوسل الناس لصاحب الكازية أصبح صاحب الكازيه يعمل على استقطاب الناس ليضعوا البطاقة عنده، وأصبحت كازيات تحصل على 10 طلبات في الشهر، وأخرى لا تحصل على طلب واحد، الأمر الذي فتح باب المنافسة وتقديم الخدمة الأفضل.

إلا الخبز..
لا يوجد خيارات أمام الناس لتأمين حاجتهم من الخبز، فالغالبية العظمى من الناس تعجز عن تأمين بدائل، فالطحين غير متوافر وأسعاره مرتفعة لكي تعود الناس إلى الخبز على التنور كما في عهد الآباء والأجداد، وتكاليف شراء الخبز الحر أو السياحي لا يقدر عليها غالبية الناس. لتبقى مشكلة اليوميات مع نقص الخبز كابوس يومي يعيشه الغالبية، لأن نقص الخبز ليس بالحدث العادي، فالسوريون يشعرون بالأمن الغذائي عند توافره، حتى وإن كانت براداتهم فارغة، لأنه يمكنهم أن يأكلوا الخبز مع الشاي، أو التين أو العنب من الكروم، أو بالماء، أو الخبز مع الخبز كما يقول الخبير التنموي ومستشار غرفة الزراعة أكرم عفيف.

ويضيف عفيف أن تقنين الخبز مؤسف للغاية، خاصة أن جزءا كبيرا من القمح ذهب كعلف للمواشي، لأن تسعيرة كيلو الشعير أعلى من تسعيرة كيلو القمح التي لم تتجاوز 900 ليرة، بينما كيلو الشعير وصل إلى 1400 ليرة.

ويرى عفيف في قراءته لهذا الوضع أنه سلسلة من ضمن الضغوط على المواطن لحصر تفكيره بالطعام فقط.

مخصصات لفلان.. وعلتان
في زيارة إلى أحد الأفران في دمشق كان الغضب يتطاير من وجوه الطوابير المصطفة على الدور للحصول على مخصصات لن تكفيها كما كانوا يرددون، وكان كل شخص يأخذ مخصصاته وهو يعبر عن استياءه كيف ستكفيه هذه الأرغفة؟

وظلت الاستثناءات قائمة أمام الجموع الغاضبة بتخصيص كميات “لفلان وابن علتان” لا تخضع لدور أو تقنين.

ابحث عن “تكامل”!
يصف الصحفي خير الله علي طريقة توزيع الخبز على البطاقة الذكية بالعار في بلاد الشمس والقمح، ويرى أن المستفيد الوحيد من هذه المهزلة هو شركة “تكامل”، أما المتضرر فهم كل الشعب السوري الأصيل، لأن غير الأصيل مستفيد وبدون أي وجه حق .

يضيف خير الله أنه إذا “كنتم مصرين على الإمعان في السير بهذه المهزلة
فلا بد من المطالبة بتخفيف المعاناة على الناس على النحو التالي”:
اولا: إنتاج خبز جيد
ثانيا: عدم اللعب بوزن الربطة وسعرها .
ثالثا: رفع الكمية المخصصة للفرد .
رابعا: زيادة عدد المعتمدين .
خامسا: أن يكون المعتمد شخصاً عاطلا عن العمل، ومن ذوي السمعة الحسنة وليس شرطاً أن يكون صاحب بقالية أو سوبر ماركت، فمن غير المعقول زيادة الغني غنىً بدل أن توفروا فرص عمل جديدة! .
سادسا: طالما أن كل أسرة أو فرد مجبر على وضع بطاقته عند معتمد محدد
فلا داعي لإدخال البطاقة سوى مرة واحدة، إلا في حال غيّر المواطن المعتمد إلى معتمد جديد ، أو حصل تغيير ما في البيانات، كأن يتزوج أحد أفراد الأسرة أو يموت .

وأضاف علي أن شركة “تكامل” التي من المفترض أن تكون شركة عامة تعود أرباحها للبنك المركزي تجني أرباحا خيالية، لا يمكن لعقل أن يتصورها ، ووصف خير الله الوزير القادر على حرمان الناس من الخبز بأنه يتمتع بسلطة وتسلط كبيرين، لأن جمال باشا ” ما استرجى يعملها”.

جرم جنائي
وفي بوست كتبه الخبير في مجال الزراعة الدكتور أمجد بدران وصف فيه قرار توطين الخبز بالصحيح 100% لأنه كما قال “تنظيم القلة” و”نقل ذل” الناس من الشوارع والطحشة إلى ضمن البيوت. وأن المشكلة في النوعية السيئة جداً والكمية التي تم تخفيضها وليست بالتوطين..

وطرح بدران فكرة حل وهي منح مبلغ مالي “متغير” وفق سعر كيلو القمح وتكلفة ربطة الخبز مع التشديد على فكرة مبلغ “متغير”. كأن يكون المبلغ بين 1200- 1500 ليرة عن كل ربطة خبز، ومراجعة هذا الرقم مع كل تغيير، وعندها يمكن شراء الخبز السياحي الذي يحصل على طحين حر وليس مدعوم، ويمكن لربطة الخبز أن تبقى في البيت لمدة أسبوع وهي قابلة للاستهلاك.

وقال إن الأمر يبدأ من وزارة الزراعة، واعترافها بكثير من الأرقام حول القمح، وليس في وزارة التجارة فقط، إن كان هنالك من يريد الحل.

وشبه د. بدران إنتاج الخبز السيء بالعمل المتعمد الذي يستحق التصنيف كجرم جنائي، وأن هذا ما يحصل في أفران الدولة منذ عشرات السنين، ووصف هذا الأمر بالمعيب، وتساءل ساخراً فيما إذا كانت صناعة الخبز تعادل صناعة مفاعلات نووية، حتى يصعب إنتاج خبز جيد؟!

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version