تواجه سورية حالياً أحد أكبر المشاكل وأكثرها تعقيداً وهو الفقر، يعيش 60% من السوريين في فقر مدقع، لا يتم تلبية احتياجاتهم الإنسانية الأساسية. بعبارة أبسط، لا يستطيع أكثر من 12 مليون سوري إطعام أنفسهم أو عائلاتهم، أو تحمل تكاليف الطبابة والدواء، أو تكاليف النقل، أو توفير السكن، أو تحمل تكاليف رعاية الأطفال. إنه عالم قاتم بالنسبة لفقرائنا المدقعين.
لا يتعلق الأمر بالحرب وأزمة كورونا والعقوبات الدولية، ففي العامين الماضيين تحقق بعض النمو -وفقاً لما أظهرته أرقام المكتب المركزي للإحصاء-، لكن هذا النمو بقي في قمة الهرم الاقتصادي، حيث نمت ثروة ودخل أعلى 1% على حساب 99%.
الفقر يتعلق بالناس وليس بالأرقام
الفقر سيء للغاية، وهو أعقد بكثير من كونه نقص في الدخل.. فالفقر يعني أن هناك أشكالاً مختلفة من المعاناة والحرمان يواجهها الفقراء، أي أن الفقر يتعلق بالناس وليس بالأرقام.
وتشبّه مُزارعة من أوغندا الفقر بحيوان بري قاسٍ “إذا غفوت عنه، سيأكلك. لذا فالناس لا ينامون”.
ومع ذلك، يعتقد الكثيرون من الأغنياء ومن في المناصب الحكومية أن الفقراء فقراء لأنهم اختاروا أن يكونوا كذلك، أو أنهم لا يستحقون المساعدة،
فشلوا في إدراك أن كل قرار تتخذه الحكومة له تأثير مباشر ودائم على الفقر والأمن الاقتصادي. مقابل مواصلة مجلس الشعب خذلان الفقراء.
ويرى “أمارتيا صن” الاقتصادي الهندي الحائز على نوبل في الاقتصاد أن “الفقر هو حرمان من القدرات الأساسية وليس مجرد تدني في الدخل”.
يؤدي الدخل غير الكافي إلى عدم كفاية استهلاك ضروريات الحياة، وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى صحة سيئة، وعمل غير منتج، وتغذية سيئة. بل هو أسوأ بالنسبة للأطفال “الاستثمار في المستقبل”، إذ تؤدي عدم الصحة الجيدة وضعف التغذية إلى تراجع التعلم وتدني المستوى على المدى القصير وانخفاض الإنتاجية وانخفاض الدخل على المدى الطويل. هذا هو السبب في أن النشأة الفقيرة غالباً ما تؤدي إلى استمرار الفقراء في حالة فقر.
وإن عبارة رونالد ريجان “الرئيس الأميركي” الشهيرة “لقد خضنا حرباً ضد الفقر ، وانتصر الفقر علينا”، تضعنا أمام تساؤل مشروع “هل حقاً خضنا حرباً حقيقية ضد الفقر؟”.
من أجل وضع سياسات أكثر فاعلية، يتطلب خوض الحرب ضد الفقر، فهم الفقر وأبعاده وأسبابه، لا حساب ضحاياه بالأرقام.
نحن نعلم ما يتعين علينا القيام به، جعل الأغنياء يدفعون نصيبهم العادل في تحقق الثروة. ورفع الحد الأدنى للأجور، وتوفير الرعاية الصحية وشبكة أمان لائقة، وغيره من خدمات اجتماعية. لكن من الناحية الواقعية، فإن التحدي المباشر الذي يعوق تنفيذ “ما يتعين القيام به” هو أن الأغنياء قاموا ببناء الأعراف الاجتماعية وأن الفاسدون صمموا المؤسسات لتخدمهم وتخدم الأغنياء بشكل أفضل. وأن مقتنصي الفرص يقاومون الإصلاحات الداعمة للفقراء ويمانعون السياسات الاقتصادية المناصرة للفقراء.
والتحدي الآخر أن الفقراء محاصرون في واقع اجتماعي يتمثل في انعدام الفرص والخيارات.
وإذا أردنا حل مشكلة الفقر، يجب تجاوز تصور الفقر على أنه فقر الدخل “فقط”، يجب الاعتراف الكامل بالطبيعة المتعددة الأبعاد للفقر، فالفقر متجذر في الافتقار إلى التعليم المناسب، والعمالة اللائقة، والحواجز الاجتماعية، وأن الفقر ينتقل بسبب نقص الأمل وقلة الفرص وغياب النماذج الإيجابية والاستسلام القاتل بأن الحياة لن تتحسن.
لذا فإن توسيع خيارات الناس أمر بالغ الأهمية لمحاربة “الفقر” . وهذا يتطلب وجود الإرادة السياسية والقدرات الإدارية لتنفيذ وفرض سياسات سليمة توفر الفرص للفقراء وتوسع من خياراتهم، ولجعل الأنظمة القانونية أكثر شمولاً.
لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام : https://t.me/hashtagsy