هاشتاغ – رأي: نضال الخضري
غابت “عوالم” وشهدنا قفزات لم نكن نتوقعها، وانتقلنا نحو مساحة اللايقين، وفي النهاية نحن لا نودع عاما بل زمناً أصبح مثل كابوس يلف أجسادنا بأشكال غير مألوفة من غبار الماضي، فما مر في أشهر طويلة لم يكن سوى نهايات تركتنا نبحث عن بدايات غامضة وأرض يمكن أن تقف عليها ونحن نفكر بأجيال ربما تنسى أن تلك الأرض كانت لنا.
في مساحاتنا الجديدة حصار لشكوك تمنعنا من التفكير، فعلى بعد أيام هناك المنجمون الذين يلاحقوننا بأحداث جديدة، وهناك أيضاً أشكال من كوارث يرمونها في وجوهنا، فمهنتهم تقتضي المآسي، وتخطف الأبصار بالرعب الذي يتركونه لنا في الفضائيات، فالمنجمون رافقونا هذا العام شهراً بشهر، وتركوا لنا الترقب والبحث عن المصير الأصفر الذي ينتظرنا.
لا مكان للتفاؤل في عوالم انهارت ولا للبحث عن مقامات الأولياء الذين اعتدنا زيارتهم لنستنجد من الخوف الذي يلفنا، فنحن والرعب أصدقاء ننتظر أن يظهر من يجعل من طرقنا لوحة سريالية نضيع في تفاصيلها، فهل نملك أملا؟ ربما أصبحنا بعيدين عن الآمال القديمة وعلينا خلق أحلام لا تخطر على بال، فالفقد خلال الأعوام المتتالية ركننا في مكان يصعب ترتيبه، ويصعب معه أيضاً ترك المستقبل يسير على هواه، فالصخب الذي حطمنا يختفي اختفاء بطيئا وفي النهاية سنكتب أن العام الذي يرحل اليوم أصبح بعد إحساس بالمرارة درساً لبدايات جديدة.
نحرق الأحداث ونتجاهل الصور المتتالية وفقدان التوازن في مدننا و “طوفان الأقصى” وكل الهرج الذي صاحب الموت في غزة ولبنان وسوريا، ثم نبدأ بـ”رحمانية سوريا” التي روضت التوحش عبر تاريخها الطويل، فمدنها المنسية في الشمال كانت مساحة عابرة ومعبرة لأنها صورة الاستمرار والبقاء رغم كل الشظف الذي تعيشه، و “رحمانية سوريا” هي درس قاس لأرض اعتادت خلق ثقافتها من القسوة ومن انهيار الزمن لتظهر عوالم غير متوقعة يصعب التآلف معها لكنها في النهاية بدايات من نقطة مختلفة.
يرحل عام التعب ويكنس معه كل التصورات والتحليلات التي كانت رفيقة الأيام، ويصطحب معه وجوها كانت يوماً “أليفة” وأصبحت ماضيا لا يمكن نسيانه، فالبطش “الإسرائيلي” صاغ ذاكرتنا، والموت الذي زرعه على مدار عام كامل هو أكثر الدروس دلالة على أننا سنتجاوز عاماً ربما لن يتكرر لعقود، وتجاعيد وجوهنا هي ما بقي من خراب الأرض التي خلفها، فدمر التاريخ والحاضر وتركنا نبدأ من دون تراث جديد.
ما بقي لنا بعض من مستقبل وقليل من الأحلام التي ستكبر بالتأكيد، وسترسم طريقاً صعباً لكنه ممكن، وسيستهلك هذا الدرب أجيالاً جديدة ويدفع بعضها للهروب ولكنه درب لا بد منه كي تبقى الحياة على أرضنا ممكنة، ويظهر المستقبل ظهورا واقعيا لا يحمل الزيف ولا صقيع الخوف الذي يرافقنا الآن، فهناك أحلام علينا خلقها وصور يجب أن تبقى في ذاكرتنا لأنها ملك الجميع.