هاشتاغ- خاص
نشرت إحدى الصحف المحلية مقالاً بعنوان “من يحاول إفشال استثمار وتطوير طيران “السورية”؟ … عقد استثمار وتطوير لمدة عشرين عاماً وليس تشاركية ولا بيع أصول. وقد تزامن نشر هذا المقال مع إقرار اللجنة الاقتصادية بالتعاقد مع شركة ELOMA لاستثمار وتطوير مؤسسة الخطوط الجوية السورية.
استثمار وليس تشاركية؟!
وفقاً للمقال، أكّد الكاتب “أن ما تتم دراسته هو عقد استثماري بعيد عن التشاركية”. ولكن.. من قال إن التشاركية لا تعني استثمار؟!!
عرّف القانون رقم 5 الصادر في العام 2016 التشاركية بأنها (علاقة تعاقدية لمدة زمنية ومتفق عليها بين جهة عامة وشريك من القطاع الخاص يقوم بموجبها الشريك الخاص بالاستثمار في واحد أو أكثر من الأعمال الآتية: تصميم أو إنشاء أو بناء أو تنفيذ أو صيانة أو إعادة تأهيل أو تطوير أو إدارة أو تشغيل مرفق عام ……).
وبذلك، فإن التعريف واضح ولا يحتمل التأويل، أي أن صيغة التعاقد – التي تحدثت عنها الصحيفة (استثمار وتطوير) ونفت كونها تشاركية – هي أحد الأعمال التي صنفها القانون على أنها تشاركية، ولا يجب أن تخرج عن قانون التشاركية، خاصة كون الهدف من التعاقد هو تشغيل مرفق عام.
فضلاً عن أن المادة (3) من ذات القانون نصّت “أ- تسري أحكام هذا القانون على عقود التشاركية التي تعقدها الجهة العامة مع القطاع الخاص من أجل إحداث أو تطوير أو توسيع المشروع واستثماره من قبل القطاع الخاص بمفرده أو بالمشاركة مع جهة أخرى عامة أو خاصة…”، ويستثنى من قانون التشاركية فقط عقود اسستكشاف النفط والثروات الطبيعية والعقود التي يبرمها القطاع العام وفقاً لأحكام قانون العقود رقم 51 لعام 2004.
كل ما ذكر أعلاه، يجعلنا نطرح التساؤل الجوهري: لماذا صدر قانون التشاركية، إن كانت الشراكات مع القطاع الخاص ستنفذ خارج إطار القانون؟!
أرباح الخطوط الجوية السورية تتجاوز 135 مليار ل. س
لطالما كان حديث مجلس الوزراء واللجنة الاقتصادية التوجه لمشاركة القطاع الخاص بالنسبة للمشروعات العامة الخاسرة، بذريعة أنها ترهق كاهل الخزينة العامة للدولة وأن القطاع الخاص يمكن أن يديرها بشكل أفضل بحيث تحقق أرباحاً.
لكن عندما نعلم -وفقاً للمقال- أن متوسط ربح مؤسسة الخطوط الجوية السورية 16 مليون دولار- رغم سنوات الحرب والعقوبات الدولية- أي أن المؤسسة ليست خاسرة، وتحقق ربحاً يتجاوز 135 مليار ل. س . فلماذا تُعرض المؤسسات الرابحة على القطاع الخاص؟! فهل الغاية هي زيادة أرباح المؤسسة باعتبار الشريك الخاص لديه الخبرة والقدرات المالية لإدارة مشروع على غاية من التعقيد وهي مؤسسة الخطوط الجوية السورية؟
قبل الجواب عن إمكانية تحقيق هذا الهدف، فلنتعرف أولاً على خبرة وقدرة الشريك الخاص في إدارة هكذا نوع من المشروعات.
هل لدى الشريك الخاص القدرة المالية والخبرات الكافية؟
وفق ما تسرب على وسائل الإعلام مؤخراً، فإن الشركة الراغبة باستثمار الخطوط الجوية السورية (كاملاً بمطاراتها وخدماتها) تم التصديق على نظامها الأساسي في أواخر تشرين الثاني من العام 2022 بموجب القرار 3469 الصادر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، برأسمال قدره فقط 100 مليون ل. س (أي أقل من 12 مليون دولار) لتدير مؤسسة الخطوط الجوية السورية البالغ رأسمالها 15 مليار ل. س ومثلها موجودات ثابتة واستثمارات تحت التنفيذ، أي أن عمر الشركة الطموحة بإدارة الخطوط الجوية السورية ذات الخمسين عاماً، لم يتعدَّ الشهرين عندما قدّمت عرضها لوزارة النقل. علماً أن غاية الشركة هي استثمار المنشآت التي تعمل في خدمات المطارات، أي مجال عملها في الطيران المدني، أي استثمار صالات المطار لبيع المأكولات والمشروبات وقاعة VIP ومواقف السيارات، وليس الخطوط الجوية السورية.
وهو ما يفسر الجدل الذي أثاره القرار في أوساط الرأي العام الذي عبّر عن خشيته من إدارة المال العام نتيجة سوء استثمار مرفق عام هام وحيوي ورابح، لتديره شركة لا يوجد لها موقع الكتروني ولا يُعلم أي شيء عن كوادرها، ورأس مالها لا يشتري شقة في العشوائيات بمساحة 50 متر.
كان من باب أولى قبل أن تصدر اللجنة الاقتصادية قراراها بالتعاقد مع الشريك الخاص، أن تتساءل عن السبب في عدم تحقيق الخطوط الجوية السوريةأرباحاً أعلى؟!
على ماذا استندت اللجنة الاقتصادية في التعاقد مع الشركة الوليدة؟!
وفقاً للمرسوم التشريعي 1 لعام 2020 وهو مرسوم إحداث الخطوط الجوية السورية بصفتها مؤسسة ذات طابع اقتصادي تتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية وترتبط بالوزير، تدار المؤسسة من خلال مجلس إدارة يتولى وفقاً للمرسوم رسم السياسات ووضع الخطط الاستراتيجية والخطط التفصيلية التي تكفل تطوير عمل المؤسسة. فهل كان التعاقد مع شريك خاص من ضمن الخطط الصادرة عن مجلس الإدارة؟!! أم تم تجاوز المجلس؟! ليصدر قرار عن اللجنة الاقتصادية المكونة من عدد من الوزراء للتعاقد مع شركة حديثة الولادة ، علماً أن المادة 15 من مرسوم إحداث المؤسسة ينص على أنه “تلتزم المؤسسة بأحكام نظام العقود فيما يتعلق بشراء وبيع واستئجار الطائرات …..” وليس التعاقد مع شريك خاص لإدارة المؤسسة.
وعلى الرغم أن المادة 21 من المرسوم تنص أنه “في كل ما لم يرد عليه نص من هذا المرسوم تطبق عليه أحكام القانون 2 لعام 2005” أي أحكام القانون بشأن المؤسسات العامة والشركات العامة والمنشآت العامة، وبالعودة إلى القانون 2، فإنه لم يذكر أنه يُسمح للمؤسسة العامة التعاقد مع جهات خاصة، حيث نصت المادة 33 منه (يجوز للمؤسسات والشركات والمنشآت العامة استثمار الأملاك الجارية بملكيتها بما يحقق الريعية الاقتصادية لها وبما يتفق واهدافها وبعد موافقة رئيس مجلس الوزراء)، وباعتبار أن قانون التشاركية صدر في العام 2016 أي بعد هذا القانون وبالتالي هذا التعاقد يجب أن يخضع لقانون التشاركية، حيث ورد في المادة 79 من قانون التشاركية “أي تعارض بين قانون التشاركية والقوانين الأخرى ذات صلة تسود مواد وأحكام القانون التشاركية”.
ختاماً، ما أثير على وسائل الإعلام ليس حملة منظمة تدار من شخص أو أشخاص لا هدف منها سوى “الشوشرة، أو إفشال عقد الاستثمار.. “..
ما حدث هو تعبير وموقف من عدد كبير من المدافعين عن الصالح العام بدافع خوفهم على المال العام بناء على المعطيات الهزيلة للشريك الخاص، والعائدات الخجولة، خاصة وأن الخطوط الجوية السورية هي مؤسسة رابحة وليست خاسرة على خلاف باقي مؤسسات القطاع العام، فضلاً عن التساؤل المشروع: لماذا تعرض مؤسسة الخطوط الجوية بالكامل مع جميع خدماتها وفي جميع المطارات للاستثمار من قبل شركة خاصة واحدة، أليس هذا تعزيز للاحتكار؟
لماذا لا يعرض مطار واحد أو خدمة واحدة لشريك واحد، من أجل خلق المنافسة بين جميع المطارات وتوفير خدمات تنافسية تضمن جودة أفضل بأسعار أقل؟!!
ما سبب تعنت الجهات الرسمية، بالتعاقد مع شريك خاص (ليس لديه الدراية أو الخبرة) بإدارة هكذا نوع من المنشآت ذات الطبيعة المعقدة؟!
وإن كان من شريك ذو خبرة، حيث أشار المقال إلى وجود “مجموعة من المستثمرين الذين لا يمكن الإفصاح عن هويتهم “منهم من هو عربي وسنكتفي بوصفه من الدول الحريصة على سورية”. فلماذا جاء قرار اللجنة الاقتصادية بضرورة قيام المؤسسة بإعداد صيغة العقد مع شركة ELOMA وليس مع تحالف الشركات الذي يفترض أن يكون مكوناً من شركة ELOMA والشريك العربي الخفي؟!!