رأي – أيهم أسد
يعتبر طرح ضرورة وجود هيئة عامة مستقلة في سورية متخصصة بالنزاهة والحد من الفساد مطلباً وطنياً بلا منازع، وكما قلنا قبل ذلك وأكثر من مرة أنه من الممكن دمج الهيئة العامة للرقابة والتفتيش مع الجهاز المركزي للرقابة المالية في هيئة واحدة وتغيير جهة تبعيتها ومنحها استقلالاً كبيراً وصلاحيات رقابية واسعة وتطوير دورها الوظيفي من أجل الحد من الفساد.
ولكن يبدو أن موضوع الدمج لا يروق لكثيرين ولأسباب مختلفة على الرغم من تفشي الفساد بطريقة لم تعد مقبولة أبداً في المجتمع السوري، وعلى الرغم من نتائجه الخفية التي أرهقت الاقتصاد.
وعطفاً على موضوع ضرورة إحداث هيئة عامة للنزاهة والحد من الفساد، أقله من أجل القطاع الحكومي، وعطفاً على عدم رغبة البعض في إحداثها، نشرت منظمة الشفافية الدولية نتائج مؤشر مدركات الفساد لعام 2023، وهو المؤشر المخصص لقياس درجة النزاهة والفساد في القطاع الحكومي للدولة.
وتتراوح قيمة المؤشر المذكور بين الصفر والمئة، وكلما اقتربت الدولة من درجة الصفر كلما كانت أكثر فساداً في قطاعها العام، وكلما اقتربت من الدرجة المائة كانت أثر نزاهة وأقل فساداً.
وفي مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 احتلت سورية المرتبة 13، أي أنها مصنفة ضمن الدول الأكثر فساداً في قطاعها الحكومي ولم يأت وراء سورية من أصل 180 دولة إلا فنزويلا والصومال فقط.
ومما عمق الفساد ي سورية حسب التحليلات المنشورة هو حالة الحرب التي شهدتها البلاد منذ عام 2011 وضعف الرقابة الحكومية وانخفاض دخل الأفراد وتدهور مستوى المعيشة.
ولكن، ماذا يقيس مؤشر مدركات الفساد وبالتالي لماذا احتلت سورية هذه الدرة المتدنية في المؤشر؟
يغطي مؤشر مدركات الفساد القضايا الأساسية التالية في القطاع الحكومي:
أولاً: الرشوة
ثانياً: تحويل الأموال العامة إلى غير مقاصدها الأصلية
ثالثاً: استعمال المسؤولين للمنصب العام لتحقيق المكاسب الخاصة دون مواجهة العواقب
رابعاً: قدرة الحكومة على احتواء الفساد في القطاع العام
خامساً: البيروقراطية المفرطة في القطاع العام التي قد تزيد من فرص الفساد
سادساً: استعمال الواسطة في التعيينات في الخدمة المدنية
سابعاً: وجود القوانين التي تضمن قيام المسؤولين في الإفصاح عن أموالهم واحتمال وجود تنازع في المصالح
ثامناً: الحماية القانونية للأشخاص الذين يبلغون عن حالات الرشوة والفساد
تاسعاً: استيلاء أصحاب المصالح الضيقة على الدولة
عاشراً: الوصول إلى المعلومات المتصلة بالأنشطة الحكومية.
ولو أسقط كل واحد منا تلك النقاط العشرة على القطاع الحكومي لوجد أن معظم تلك المؤشرات موجودة تماماً وأنه تعرض لواحدة منها أو أنه يعرف من تعرض لها.
وبعد.. ألا يشكل ذلك التصنيف المتدني لسورية على مؤشر مدركات الفساد ناقوس خطر لمعارضي إحداث هيئة متخصصة بالنزاهة والحد من الفساد، أم أن الفساد أصبح استثماراً للبعض لا يرغب بالتنازل عنه؟