الجمعة, ديسمبر 13, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةخطوط حمرعن "الانتماء" و"الغفران"

عن “الانتماء” و”الغفران”

هاشتاغ _ لجين سليمان

 

دُعيت إلى تناول العشاء في مطعم صيني مصمم على الطريقة السورية، أخبرت بعض أصدقائي في سوريا بالأمر، ليشاركوني تلك السعادة.

وبالفعل رافقوني بمكالمة فيديو، وعلى طول الطريق كنا نردد: “من عنا غصان الزيتون”.

وصلت إلى المكان المنشود وأنا مليئة بمشاعر الفخر والاعتزاز، بالطبع فنحن تربينا على الاعتزاز، وعلى الصمود أيضا.

لا أعرف ما الذي دفعني إلى الاعتقاد بأني سأجد جميع أصدقائي السوريين ينتظرونني، ربما فقط لكونه سوري!.

دخلت المكان فلم أجد فيه شيئا مما تصورت، فلا عبق مطاعم الشام القديمة ولا بحرة في منتصف المطعم ولا شيء من هذا القبيل.. ياللخيبة فلا شيء يذكّر بسوريا.

كانت أرض المطعم مليئة بالحصى الصغيرة، وهو ما جعلني أبحث في ذاكرتي فيما إذا كنا في سوريا نضع حصى مكسرة على الأرض في المطاعم.

نظرت إلى الطاولات.. إلى الكراسي، لا شيء يشبه سوريا ولم أشعر بسوريا أصلا.

تذكرت يوم أمس عندما سألتني فتاة صينية عن جنسيتي، فأجبتها: “أنا سوريّة”.. ولكنها لم تكن تعرف موقع سوريا على الخارطة، مما دفعني إلى الاستعانة بـ “غوغل ماب” لأظهر لها مكان الجغرافيا السورية..

قلت في نفسي: إذا لم يكن لديهم علم بوجود سوريا على الخارطة، هل سيتمكنون من تصميم مطعم سوري!.

دفعني ذاك المطعم إلى الشعور بنصف الحياة التي أحياها هنا في الصين، للوهلة الأولى عاد إلي ذاك الفرح الفطري، لكنه مات بشكل سريع، وعدت إلى حالتي الطبيعية أتفاعل مع المحيط بنصف مشاعر ونصف روح بشكل ميكانيكي، أعدت نفسي إلى حالة التوزان سريعا.

انضممت إلى أصدقائي الصينيين الذين كانوا ينتظروني ، ويا للصدفة وجدتهم يتحدثون عن رغبة أحدهم بتغيير جنسيته قبل عشر سنوات إلى الجنسة الأسترالية أو الأمريكية.

ففي الصين من غير المسموح حمل جنسيتين معا ولذلك فهو مضطر للتخلّي عن جنسيته لصالح أخرى.

بالطبع اتسعت عيناي إلى أكبر قطر ممكن، فأخافه اندهاشي وأخبرني أنّ أهله كانوا يعتقدون بضرورة هجرته إلى الخارج وأن هذا سيكون أفضل لمستبقله كون الصين لم تكن بهذه القوة في ذاك الوقت.

أجبته بنبرة عالية “الوطن ليس فندقا يا ابني”.. حاول الدفاع عن نفسه مرارا لكني قطّبت حاجبيّ وشمخت محاولة تضخيم صوتي كي يكون له وقع الشعارات التي طالما سمعتها كثيرا، فعلى ما يبدو ينقصهم الكثير من شحذ الروح الوطنية، وأجبت: “بدك تصمد، الوطن شبيه الأم” .

وأضفت قائلة : “هل تعلم أنّ فكرة وجود مطعم بديكور سوري دفعتني إلى الشعور بالاقتراب من سوريا، فأنت القريب من هذا الوطن تنوي الرحيل وتغيير الجنسة في سبيل الهجرة،

وزدتُ بالقول: هل تعلم أنني أنتمي الآن إلى المجهول لأني جئت من بلد أضحى مستقبله مجهولا، لكني مع هذا لن أغيّر جنسيتي ما حييت”..

حاول الاعتذار بخجل.. فنظرت بخشونة وقلت: “اعتذر من الوطن وانشالله بيغفرلك”.. نعم إنه الغفران..”الغفران” دفعتني تلك الفكرة إلى التفكير فيما إذا كنا سنغفر يوما ما لأوطاننا، نحن الذين يوجعنا انتماؤنا العميق في كل لحظة ابتعاد، ويصعُب علينا الاقتراب مجددا، لأن الاغتراب في الوطن أقسى أنواع الاغتراب، فهل سنغفر لأوطاننا ذاك العمر الضائع الذي أمضيناه نبحث عن أثر لـ”سوريا” في أصقاع الأرض ولا نجدها حتى اللحظة.

 

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة