الجمعة, ديسمبر 13, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةخطوط حمرعن السوريين والحكومة الجديدة.. "إيه في أمل، أوقات بيطلع من ملل"

عن السوريين والحكومة الجديدة.. “إيه في أمل، أوقات بيطلع من ملل”

هاشتاغ سوريا- رأي كمال شاهين

ليس السوريون من كوكب اﻷشرار أبداً، على العكس، هُم من أطيب الناس وأجملهم، بشرٌ يحلمون بحياة هانئة، وربما بسيطة في كثير من جوانبها، ومهما قيل، عمّا حدث في سياق الحرب السورية من بشاعات ومجازر وتشويه متعمّد من قبل الميديا، فإن طيبتهم حقيقةٌ مؤكّدةٌ، ومن حقهم أن يعيشوا مع أقلّ قدر من الكآبة والحزن، ألم تنحو دول عديدة إلى إنشاء وزارة للسعادة؟
لا يتعلّق اﻷمر بعشر سنوات من الحرب التي لم تبق ولم تذر شيئاً فوق أرض هذه البلاد ـ وجوارها كذلك ـ بل إن اﻷمر يمتد عقوداً قبل ذلك، بالنسبة للسوري فإن امتلاك سيارة حلمٌ ينتمي إلى خانة الرفاهية، مثله مثل التفكير بالخروج في رحلات سياحية خارج البلاد أو حتى خارج المحافظة، فهذه تحتاج ميزانيات ـ لا ميزانية واحدة ـ ومهما كنت من “المقتّرين” فإنك لن تبلغ هذه الدرجة من السعادة مهما حاولت، فإن كنتَ موظّفاً فإن نصف قرن من العمل المتواصل لن يكفيك لاقتناء سيارة صغيرة من طراز محلّي، أما سياحتك خارج البلاد فهي من الخرافة مالم تكن مسؤولاً حرامياً في إحدى مؤسسات دولتك المصون.
يحلم السوري بأن يعيش يوماً كاملاً دون منغصّات في ما باتت دول العالم تعتبره أمراً لا يحتاج نقاشاً، في تأمين حاجياته اليومية دون زحام قاتل ودون احتمال إصابته باﻷمراض، الخبز والكهرباء والماء، ثالوث الرعب اليومي الذي يحيا السوري في ظله الميمون في عهود كل الحكومات السابقة.
جاء تشكيل الحكومة الخامسة منذ اندلاع اﻷزمة في البلاد ليبعد حلم السعادة السوري مسافات جديدة، فهذه الوزارة المخضرمة ـ الجامعة بين القديم والجديد ـ سجّلت أدنى درجة رضا من قبل السوريين قبل أن تبدأ أعمالها وقبل أن يُعرف خيرها من شرّها، فمع تداول سير الوزراء الذاتية ظهر أن الاختصاص الجامعي لوزير التربية هو الطب البيطري، وأن الرجل نفسه كان قد أدار المركز الوطني لتطوير المناهج بكل ما حملت تجربته من نقاط سلبية وهي ليست بالقليلة، وهذا الأمر، أثار سخرية سوريّةً مريرة، ليس من شخص الرجل، بل من العقلية التي تغاضت عن عشرات آلاف خريجي الجامعات السورية من ذوي القدرة والخبرة في إدارة مؤسسة عظيمة وخطيرة مثل وزارة التربية (قبل التعليم!) ووضعَتْ رجلاً افترض الكثيرون أن خبرته كان يمكن الاستفادة منها في محلّات أخرى في الحكومة العتيدة، مثل وزارة الزراعة، وهي في أسوأ أحوالها اليوم، وخاصة في اختصاص الوزير ، أي طب اﻷبقار.
بالطبع، لا يرتبط الأمر مرة ثانية، بشخص الوزير الجديد، وهو من عمل مساعداً طيلة خمس سنوات للوزير السابق الذي تسبب عدم وضعه في التشكيلة الجديدة بمزيد من غضب السوريين على الوزارة الجديدة وعلى من شكّلها، بفرض أن له دوراً في ذلك، أو أنّ لديه خيارات للاختيار أصلاً.
هل خلت البلاد من المبدعين القادرين على اجتراح المعجزات بعقلهم والمضي بترميم خساراتنا المتزايدة على كل الصّعد؟ ألا نرى السوريين خارج البلاد مبدعين مبرزين يحتلّون مواقع اﻹعلام اﻷولى في إنجازاتهم واختراعاتهم بما في ذلك ما نحتاج إليه كثيراً في سوريا، أي علم اﻹدارة؟ فالمشكلة في بلادنا ليست الموارد، وهي ليست قليلة كما يعرف كل السوريين، بل في طريقة اﻹدارة نفسها، وفي التخلّص من أسوأ ما أفرزته العقود السابقة، الفساد، الذي يلتهم البلاد حقيقةً لا مجازاً.
ربما كان اختيار وزير التربية أمراً صائباً، فالرجل يحمل درجة اﻷستاذية في اختصاصه واختصاصات أخرى، وقد عمل بجد في عهد الوزير السابق، يرى عديد من السوريين أنّ نظرة الحكومة للشعب هي في صلب اختيار الوزير الجديد، فهل كان اختيار مهندس كهرباء لوزارة الكهرباء كفيلٌ بحلّ مشاكل الوزارة الكبيرة، وبالقياس على الزراعة والصناعة وغيرها.
يبدو منصب الوزير ـ أي وزير ـ بقدر خطورته، شكلّياً في سوريا، يقتصر دوره على التصريحات هنا وهناك دون فعل سوى توقيع القرارات والالتزام بتنفيذ الخطط المقررة مسباقً، لكنها خطط لا تتجاوز اليومي من اﻷعمال وفق قوانين علم اﻹدارة إلى الاستراتيجي الطويل اﻷمد، هذا ما أثبتته سنوات طويلة من العمل الحكومي لم تقدر فيها الحكومة على وضع خطة فعلية تتجاوز أيّ من مشكلاتنا منذ عقود، إلى درجة تبدو معها الرؤى المستقبلية منقطعةٌ تماماً عن الوجود، أما تلك الخطة اليتيمة المسمّاة “سوريا 2030” أو سوريا وإعادة اﻹعمار، فإنّ ما فيها مرهونٌ بتطورات الوضع السوري إقليماً ودولياً، عدا عن أنها أنجزت كي تبقى في اﻷدراج في ظل حروب الفساد المستعرة قبل انتهاء الحرب والتقاتل على كعكة إعادة اﻹعمار.
في آليات عمل الحكومة هناك مشاكل كثيرة، أبرزها الفصلُ بين السلطات الثلاث، ومتى تم هذا الفصل بشكل واضح وجليّ، فإن نصف مشاكلنا تنحل تلقائياً، فحين اخُترعت هذه المنظومات، لم تكن أمراً عادياً في تاريخ التطور البشري، فهي نتاج جمع بين قوة الدولة والتشريع اﻹنساني والقضائي، وهذا ببساطة يضع ترتيباً لقيمة كل عمل ضمن معايير دقيقة، ويحاسب في الوقت نفسه على اﻹنجاز، وهو ما يسمح بتقييم الأعمال واﻷداء، وبالتالي مكافأة المبدع ومعاقبة المقصّر.
إن مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب، وهو شعار قديم قدم أول حكومة سوريّة، ما زال لغزاً عصيّاً على الحل في سوريا، ومن يريد حلاً له، عليه أن يفكّر أبعدَ من تعيين وزير مختص بشؤون وزارته أو غير مختص في هذا الموقع أو ذاك. ودمتم.

مقالات ذات صلة