الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةعن "الصمت" و "وحدة الجبهات" و"حصة الأسد"

عن “الصمت” و “وحدة الجبهات” و”حصة الأسد”

هاشتاغ – محمد محمود هرشو

ليس من قبيل المصادفة أن يعلن نتنياهو عشية إعلان وقف اتفاق النار في جنوب لبنان أن الأسد سيدفع الثمن وأن “عليه أن لا يلعب بالنار”، ليتزامن هذا التصريح مع تحريك “منظم” وفتح النار في جبهات الشمال السوري “ريف حلب” التي كانت ساكنة منذ سنوات بموجب اتفاق وقف التصعيد (الروسي التركي الإيراني).

إنه أول تصريح وتحرك علني لوحدة الجبهات إقليميا، في محاولة تبدو إقليمية كذلك، “لتلقين” الرئيس الأسد معنى قول كلمة “لا” سواء على صعيد جبهة لبنان التي طالما ظن الجميع أنه كان “صامتاً” حيال ما يجري فيها، أم على صعيد جبهة الشمال السوري التي ربط مسألة “مد يد” أردوغان لتطبيع العلاقات معه بها.

سيكولوجيا التصريحات تفضح السياسيين

بعيداً عن الجرائم العسكرية التي يرتكبها جيش الاحتلال، سواء بشكل مباشر أم بوساطة الأدوات والمتعاونين في المنطقة، وتشي بالمسؤولية المباشرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كونه يرأس السلطة التنفيذية وكذلك مجلس الحرب في حكومته، لكن منصبه لا يغطي على كونه شخصية سياسية ينطبق عليها أعراف كثيرة منها التصريحات الرسمية.

  تصريحه بوصفه سياسياً صارع اتفاق وقف إطلاق النار (الذي امتدت مفاوضاته لأسبوعين عصيبين كانا تحت النار، وكذلك قاد حربا كانت الكبرى من حيث عدد الجبهات أو من حيث الخسائر الاقتصادية، و الأطول زمناً، وقد تكون الأكثر من حيث الخسائر البشرية في تاريخ دولته المحدثة)، تزامناً مع إعلان الاتفاق أن “على الأسد أن لا يلعب بالنار و أنه سيدفع الثمن”، يبين تماما ما خفي وراء هذا التصريح.

فأي نار تلك التي لاعبكم بها، وأي ثمن يمكن أن يدفعه؟

 الجواب الأول كان جلياً بالنيران التي احترقتم بها خلال أكثر من عام وهو يشاهدكم على شاشة تلفازه كأي مواطن عربي وهو “صامت”، أما الثمن الذي سيدفعه فستترجمه الأيام القريبة والتي بدأت عشية تصريحات نتنياهو، إذ كان واضحاً من “غيظه” الذي طغى أعراف السياسيين أنه لن يطول.

عندما تتكلم السياسة الصامتة

ليس جديداً على السياسة السورية تسميتها “صامتة” فالمصطلح عمره عقود بعيدة أكدته السلطة حتى عندما تسلم رئيسها مقاليد الحكم حين كان عمره 34 عاماً (سيكولوجياً من المفترض أن يكون مندفعاً ومتسرعاً في الظهور والتصريحات) وهو الذي لم تهدأ المعارك السياسية معه منذ ذلك الحين، وذلك بمحاولات إخراجه بوصفه لاعباً إقليمياً في المنطقة، وحتى وصول “النار” إلى مسافة قريبة من مكتبه الذي يقبع وسط العاصمة دمشق.

وتؤكد جميع مذكرات السياسيين الغربيين والقليل مما كتبه أو تفوه به الأشقاء أو الحلفاء، أن الخيوط الإقليمية مهما تشابكت أو “أُحيكت” بعيداً عنه يبقى الجميع مضطراً للبحث عن “القطبة المخفية” ليجد ضالته وإن كان على مضض، وبالقنوات غير المباشرة، في العاصمة دمشق.

جبهة الشمال السوري

تتمثل أرض المعركة بين الفصائل المسلحة (الموجودة في سوريا والمنظمة إقليمياً ودولياً، سواء بالعتاد أم بالدعم التكتيكي أو اللوجستي)، والقوات السورية، تماماً كما كتب المفكر العسكري الصيني (سون تزو): “القوي يفعل ما يستطيع فعله، أما الضعيف فيتحمل مشقة القيام بما يُملى عليه”.

هذا من الجانب السياسي، أما عسكرياً فتنطبق العلاقة بينهما بقوله “إذا عرفت عدوك وعرفت نفسك فليس هناك ما يدعو إلى أن تخاف نتيجة مئة معركة، وإذا عرفت نفسك ولم تعرف عدوك فإنك تقاسي من هزيمة مقابل كل انتصار، وإذا لم تعرف نفسك ولم تعرف عدوك فإنك أحمق وسوف تواجه الهزيمة في كل معركة”، وهذا ما تم تأكيده عملياً خلال فتح جبهات الشمال، الذي من الواضح أنه لم يكن وليد ساعات ما بعد التصريح المذكور، وإنما كان أمر عمليات للتحرك، وذلك لأسباب كثيرة كالتجهيزات اللوجستية، والخطط العسكرية التي قضت بفتح ثماني جبهات تزامناً، والمعدات الحربية التي لم تكن في معارك ما قبل وقف التصعيد منذ سنوات، كالمناظير الليلية والكاميرات الحرارية التي استخدمها الإعلام المرافق لهم في لقطاته الأولى للتغطية.

وبما أننا تطرقنا إلى التغطية الإعلامية، فمن المؤكد أن تغطية إعلامية لحظية لهذا العدد من الجبهات يحتاج إلى تجهيز فريق كبير من المراسلين، إضافة إلى معدات البث والتصوير وغيرها الكثير، وهذا ما يؤكد أن المعركة لم تكن مصادفة.

أين القيادة السورية من هذا؟

من المؤكد والبديهي بعد أكثر من عقد لوجود جبهات ملتهبة، أن تمارس القيادة السورية بديهيات فنون الحرب “التجسس”، وكذلك من المؤكد لدي أن هناك عدداً كبيراً من المهتمين بالواقع الميداني العسكري، ومنهم صحافيون لديهم الكثير من المصادر التي تزودهم بالمعلومات عن تفاصيل يومية مدنية وعسكرية لواقع الحال في المناطق التي تقع خارج سيطرة الدولة السورية، وهي أقرب إلى نفوذ السلطات التركية والتي انطلق منها الهجوم.

مصادر أمنية أكدت وجود معلومات عن “تسخين الجبهات” سبق التحرك بأيام كثيرة، مزودين بمعلومات دقيقة عن العدد والعتاد تم رفعها للقيادة لاتخاذ قرار بشأنها.

“الصمت” الذي احترفته القيادات يؤكد ضرورة إيهام العدو بالانتصار وتمكنه من الاقتحام، لبديهيات يعلمها جيداً القادة العسكريون عن فنون الحرب، واحترفها صناع “السياسة الصامتة” للتعامل بحرفية في تسديد رميات سياسية من المفترض أنها ستكون دقيقة “لشراء” مواقف من دول إقليمية انتهجت “البيع” وتلهث نحو التسويات، وقد عزم الأسد “المشارك” بالتسوية الكبرى للمنطقة أن تكون بعد الحصول على “حصة الأسد” منها، وليس عند رمي “الجيف” وفضائل موائد التسويات الدولية كما يظن خصومه.

مقالات ذات صلة