Site icon هاشتاغ

عن “متلازمة” السوريين: الفقد والغربة

لم نكن نعلم أن ما ذهب من هذا الزمان لن يعود، ولأننا محكومون بالأمل كان لا بدّ من انتظار الأفضل، فمنّا من غادر منزله على أمل أن يعود بعد أيام، فمضت سنوات ولم يستطع الرجوع، وكأنّ ذكرياته باتت رمادا.

هاشتاغ-رأي-لجين سليمان 

ومنا من ذهب في البحر على أمل العودة بعد السنوات اللازمة للحصول على الجنسية، فمضت سنوات أطول ولم يتمكن من العودة، لأسباب مختلفة.

وعلى الرغم من السمة الدائمة للزمن بأنّه سريع المرور، إلا أنه لا يمكن وصف تلك السنوات الماضية سوى بالثقيلة؛ ثقيلة على قلوبنا نحن السوريين تحديدا، بعيدا عن العالم أجمع وأزماته الاقتصادية.

نعم، نحن السوريين ممن فقدنا الغالي، لا رخيص سوانا، فقدنا من نحب أثناء غيابنا، ولم نستطع الرجوع، فقدنا ذكريات ولمّات شتائية، كنا نتخيّل أنها ستعود، ويا لسذاجتنا..

كيف تعود ونعود فيما تلك البلدان تتصارع كالذئاب للحصول على أثمان أكبر من ثرواتنا ودمنا وذكرياتنا..!
يا لبراءتنا نحن من ظننّا أن ما تركناه يوما سوف يبقى وينتظرنا.

أما اليوم وقد ذهب ما ذهب، ورحل من أحب، لم أعد أملك سوى تلك الإرادة، عساها تنفع في شيء مستقبلي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

بعد “الفقدان” الكبير في حياتي لم أملك سوى أن أتجوّل في حديقة رائعة الجمال، في محاولة مني للخروج إلى واقع عملي، هي ليست أكثر من محاولة هروب إلى الأمام، بحثا عما يسمّى “الأفضل”.

وبين الأشجار في تلك الحديقة، التقيتُ مجموعةً من المسنين، كانوا ينشدون أغانٍ صينية تراثيّة قديمة. توقفتُ قليلا لألتقط لهم صورا وأعدّها على هيئة تقرير، وكانت تلك محاولة أخرى للهروب إلى الأمام، نظروا إليّ وتوجهوا نحوي، سألوني من أي بلد أنت؟
أجبتهم بأني سورية، ليس بالفخر ذاته الذي يغمرني كلّ مرة، ذلك لأن شعور الانكسار طغى على “الأنا السورية”، طلبوا مني أن أشاركهم الغناء في أغنية سورية، ويا للذهول، ماذا أقول، ماذا أغني، لم أكن خائفة أن لا يعجبهم صوتي، لأنهم كانوا يستخدمون ميكروفونات تحسّن طبيعة الصوت، بل كنت أبحث في معنى الأغنية الذي أستطيع البوح به إلى العلن.
هل أغنّي “راياتك بالعالي يا سورية” لا والله فحجم الكذبة قد كبر، وهذه الرايات لن تكون عالية، طالما يوجد مواطن واحد يبحث عن الطعام في حاوية قمامة..
هل أغني “سوريا يا حبيبتي أعدتِ لي كرامتي” لا والله فكراماتنا اليوم مفقودة ولا يصونها سوى هذا الشموخ الفارغ الناشئ بالفطرة، فنعتزّ بما ليس لنا به يد..
إذاً سأغني عن أمنياتي وأهرب هذه المرة، لكن إلى الحلم. غنيّت بالصوت العالي “بكتب اسمك يا بلادي” وشمخت بحزن وأسى، تفاعلوا معي وتمايلوا، ومنهم من بكى، لا أدري لماذا، لكن ربما إحساسي بالفقد والانكسار قد وصل إلى الآخر من دون قصد.

نعم كتبتُ اسم بلادي على الشمس وأنا مكسورة وحزينة، وأهديت تلك الأغنية إلى روح من فقدته، علّ الانكسار يتحوّل مجددا إلى شموخ وعنفوان،
لالشيء سوى لأكمل هذا الدرب الذي يسمّى حياة، وأنا أحلم بوطن يجمع من هرب من المأساة، بدلاً من أن يفرّق الأحبة بحجّة بناء الأوطان، وطن يغفر للجميع ممن هاجروا برا وبحرا وجوا بحثا عن الأفضل، ولم يجدوا أفضل من الأرض، أرض الوطن حتى ولو لم تكن أكثر من تراب.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

Exit mobile version