هاشتاغ- رأي- وسام كنعان
تماماً مثل من يسير في حقل مزروع بالألغام، تبدو مزاولة مهنة الصحافة في هذه البلاد المكلومة! حال الصحافي السوري اليوم، كحال حفنة رماد مرمية في وجه الريح، ومتروكة لمصيرها الخاوي! تتقاذفها مصائر محمومة، لا تعرف في أي أرض تحطّ، وعلى أيّة بقعة ستموت وتزول، ولا أيّة عاصفة ستذروها وتجعلها طيّ النسيان! لا أحد يسأل عنها، ولا رجل يتصدى للدفاع عنها! لا قيمة، ولا حتى أدنى هيبة، أو وزن لها! مجرّد أن تفتح قلبك، وتترك الفرصة لقلمك بالبوح بملامح ما يدور حولك، سيكون السجن في انتظارك! لذا إخرس لتنال الرضى! أما إن تحرّك ضمير مسؤول ما، وقال بأنه لا يجوز اعتقال الصحافي بدون الرجوع إلىّ، بقاعدة مهلهلة، وصيغة مترنحة للتصريح الحكومي، سيعاود ويطمر رأسه تحت درج طاولة مكتبه الفاخر، عندما يتمّ اعتقال صحافي بذريعة أنه يوهن نفسيّة الأمة ويضعف الشعور القومي! الحديث هنا عن آخر فصل في مسرحية انحطاطنا وبؤسنا وقمعنا، وعصّة القبر التي تزيد على موتنا المحتوم كلّ يوم ألف مرة، وقطعاً لن يكون هذا الفصل هو الأخير! منذ أيام اعتقلت الصحافية السورية هالة الجرف، والتي تعمل مذيعة في التلفزيون السوري، ومن ثم نشر بيان من وزارة الداخلية، والتعامل معها على أنها مجرمة بالإشارة إلى الحرفين الأولين من اسمها وكنيتها! بحجة أنها تتعامل مع منصّات ومواقع مشبوهة، وتزودهم بمعلومات من داخل مؤسستها! طيّب، تعالوا لنسلّم جدلاً بأن المذيعة المعتقلة قد ارتكبت خطيئة تستحق عليها العقاب، فالسؤال هنا: هل يكون التعاطي مع «السلطة الرابعة» بترهيبها واعتقالها بشكل تعسفي، دون محاكمة علنية وحضور فريق دفاع عنها! هذا ما تمليه أدنى المقومات لاحترام «صاحبة الجلالة» أما عن وهن نفسية الأمّة، فلم نعد نعرف حقيقة من يوهن نفسية الأمةّ أكثر نحن معشر الصحافيين العاملين بفتات الفلوس وظروف قاحلة، وبسقف يكاد يخنق أرواحنا من شدّة التضييق؟! أم السادة الوزراء مثلا، والذين يمضون يومياتهم في الإمعان أكثر في قهرنا، وضياع الحد الأدنى من المنطق الآدمي ليومياتنا! ثم هل الأمة التي تعيش على العتم الحالك، وساعات تقنين كهربائي تصل إلى 20 ساعة في بعض المناطق، تحتاج سبب إضافي لوهنها! هل تبتغي البلاد التي يلم أبناؤها طعامهم من حاويات القمامة، لمبرر إضافي لتكون في ذروة الوهن والضعف؟! هل يستدعي الوطن الذي يبات أطفاله على إشارات المرور من التشرد والفقر، ووسائل نقله على طوابير البنزين والمازوت، لدرجة باتت تعرف ببلد الطوابير التي تلتقط صورها من الأقمار الاصطناعية، لذريعة مضافة كي تكون في ذروة الوهن. هل يحتاج الشعور القومي لسبب أبهى من أن نصطفّ نصف يوم كامل على دور الخبز لنحصّل رغيفاً ليكون ضعيفاً! ولأن الحديث عن المسببات التي توهن نفسية الأمة وتضعف الشعور القومي طويلة تضاهي طول الطوابير التي أنتجتها حكومتنا الموقّرة يحق الاختصار والتكثيف بالقول: حكومة تخشى من تعليق فيسبوكي هنا، ومقال صحافي هناك، لا تستحق منّا سوى النقد اللاذع، والنعيق مثل الغربان حتى تستفيق على حالها وتقرر العمل، أو على الأقل المصارحة الحرّة مع الشعب المتهالك من السواد القاتم المحيط به. لذا أفرجوا عن هالة الجرف وكلّ الصحافيين السوريين ودعوا نفسيّة الأمة وشعورها القومي بحاله، فلن يجدي التخويف نفعاً، ونحن نتذّوق الأمرّين عند شروق كلّ شمس على بلادنا المتعبة!