نضال الخضري
داهمنا عيد الحب دون أن نتذكر هل هو قادم جديد أم أنه غاب عن ذاكرتنا طوال عام قادم، فالمتاجر لم تذكرنا به، وغابت “القلوب الحمراء” التي كانت تزين كل المحلات، وفي كل لحظات هذا اليوم كان من الصعب استحضار تفاصيل أصبحت من الماضي، فالحياة السورية اكتسبت إيقاعا آخر يطرق أسماع الناس بأصوات المذيعين أحيانا، وبضجيج الثرثرة اليومية التي تنتهي دائما عند صعوبة الحياة.
في عيد الحب صور لها ألوان ساحرة بكل تأكيد، ويضفي المراهقون عليها لحنا مُحفزا للحياة، وعندما تختفي المظاهر المعتادة أو حتى “الموسمية” فعلينا النظر من جديد إلى التفاصيل التي تقتل في داخلنا دهشة اللحظات القادمة، فنحن بالتأكيد لن نعتاد على قسوة السنوات التي تراكمت فوقنا، والحرب بشكلها الكارثي ربما سحقت الأفئدة، لكنها أيضا علمتنا أن الحياة هي احتمالات فرح بالدرجة الأولى تدفعنا للبقاء رغم كل الظروف، وربما غادرتنا كل لحظات الترقب التي رافقت الحرب، إلا أنها تعود لتغلف ذاكرتنا عبر صور كل المعارك التي تحاصرنا.
هل بالفعل مر عيد الحب كتعليقات فقط على صفحات التواصل الاجتماعي؟ وهل توقف الجدل في ثقافتنا حول هذه المناسبة بين تحريمها أو اعتبارها “تشبها بالغرب”؟
ربما ندرك اليوم حجم “النفايات الثقافية” التي قادتنا إلى جحيم اللحظة الحاضرة، أو كبلت إبداعنا باستعادة القواعد النحوية في ثانية نحاول أن نكتب بها عبارة عشق، فعيد الحب الذي يبدو قاتما هو مجرد عبور من زمن إلى آخر، وتجميع للحظات وجد وسط رتابة الحدث اليومي أو شظف الحياة، فندرك أنه لم يغادرنا بل نحن اخترنا البقاء بعيدا عن دائرته.
هناك عبث يومي نحاول به تغطية فسحات الأمل التي يحملها عيد الحب، أو غيره من الأعياد، لكن هذه المناسبة تحديدا تشكل فرصة للخروج عن مألوف العلاقات اليومية، فهو يمنح المشاعر حالة خاصة ويحتفي بها، وإذا كنا قادرين على نسيان الحرب في غزة ومهرجانات الترفيه التي تحيط بنا وإحباطات التدهور الاقتصادي؛ عندها سنكون قادرين على فهم مناسبة للحب ليست غريبة عنا لكنها مسلوبة من ثقافتنا، فنحن بالفعل محاصرون بهموم يصعب الهروب منها، ويبدو الاسترخاء ليوم واحد من ثقل تراكمات الزمن أمرا ضروريا حتى ولو بقي في مساحة القلوب الحمراء التي تزين المتاجر.
ربما علينا تجديد الفرح لأنه الوحيد الذي يصنع الحياة في مواجهة “شبح الموت” المفروض علينا، فالصور من غزة وطوال أشهر قيدت قدرتنا على الاحتفاء بأننا مازلنا أحياء رغم كل الظروف، وحول الحرب إلى مسابقة بين الفضائيات لرسم المستقبل القاتم، فالحرب في غزة ربما ليست الأطول في تاريخنا لكنها الأكثر تعبيرا عن العجز الذي يلفنا، وهي تحتاج بالفعل لفسحة أمل كي نعيد تشكيل هذا المشهد المركب من الموت ومظاهر الدمار، ونجد أفقا ربما لا يرتبط بعيد الحب لكنه لن يظهر إلا بقدرتنا على خلق الحياة عبر فرحة ولو عابرة.