الإثنين, نوفمبر 18, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةخطوط حمرغبار العدالة الاجتماعية

غبار العدالة الاجتماعية

هاشتاغ_رأي نضال الخضري

لم تمر الحروب بشكل عابر، فالبعض يعتبرها اختبار للقيم الاجتماعية، ويراها آخرون تجربة لمنظومات الأفكار، وفي مرآة الحياة تنفض الحروب غبار التراث، وتدفع العيون اللاهثة نحو الحياة إلى ابتداع أفق مختلف، وتمر الحروب بمآسٍ تجعل التفكير بالماضي نوعا من جلد الذات، ثم تترك الأجيال لترسم شكل العلاقات التي تريد، فهل كونتنا الحروب من جديد؟

في المأساة السورية نشد أحزمة النجاة المهترئة، ونبحث في النصوص المهترئة عن صياغة عدالة مستحيلة، فما فائدة “اللجنة الدستورية” ومئات المؤتمرات إذا بقي التراث أكثر من رمز، أو شدتنا التقاليد لنرسم لأطفالنا عجائبية الماضي الذي يستيقظ فينا كل لحظة، من قانون الإرث إلى تصورات الجمال وصولا للقيم التي تلازمنا من فجر التاريخ.

نحن نخوض الحروب بعبثية نادرة، ونشعل المعارك لأجل الماضي، ونؤجل سبر مآسينا لأن الفردوس المفقود يعشعش في كل خلية عصبية نحملها، ففردوسنا المفقود تجسده أسماء مبعثرة في “أمهات الكتب”، ولا مكان لـ”أم” داخل مدونات يحتكر البعض دراستها أو تفكيك الكلام فيها، وتراثنا يحمل لغة بائدة وأرواحنا تنتقل بين القدرة على تلبس الماضي وفرض شرائعه وسط تحولات الزمن، فنتجرد من بشريتنا عندما نحيي النصوص، ونتمسك بحق “الذكر” الذي يتفوق على الأنثى ليس في معادلة الإرث الشهيرة فقط، إنما في رؤية العالم الذي يلفحنا بتموجاته.

حروبنا لا تعبر عن رغبة في كسر حاجز زمني، ولا تبحث عن “الاختناق” الذي يحاصرنا، لأنها حروب نفس القيم القديمة التي نتصارع في من يجسدها في حاضرنا المنهار، فالحروب التي تولد الحضارات هي شكل غريب عن رؤيتنا للبشرية، والعنف يصبح هوية لا بد منها لأنه التعبير الوحيد عن محاولاتنا الداخلية للاستئثار بالحقيقة.

وجوهنا تجليات للقرن الرابع الهجري، وعدالتنا الاجتماعية انعكاس لعصر التدوين، وعندما يداهمنا القلق للحظات قليلة نرى العبثية التي تدفعنا لنخوض صراعات خارج أي سياق، فنحن محكومون بحقوق الذكور، وملثمون بنقاب يغطي الجميع دون استثناء، الرجال نقابهم انحياز التشريعات نحوهم، والإناث يلفهن الركون إلى “أمان الرجل” والرعب من كسر حاجز تقليدية العلاقات الاجتماعية.

كل مشاهد العالم تتزاحم في عقولنا لكنها تعجز عن تشكيل لون مختلف، ووجوه سمحة قادرة على رؤية العالم من أفق الزمن الذي يتحرك، وكافة التشريعات الدولية تقف عند خصوصيتنا، فنحن من نسل “الفردوس المفقود”، ونحلم بالرموز التي تنقلنا لنصبح أنصاف آلهة، فالعالم ملعبنا الوهمي الذي نجول فيه دون أن نتحرك من مستنقع تراثنا، ونعبره وكأننا ضوء لن يتكرر، لكننا في النهاية نبقى محاربين لأوهام عقولنا.

عدالتنا الاجتماعية لا تملك أي مرجع داخل أمهات الكتب التي نملكها، فللذكر مثل حظي الأنثيين في تصوراتنا للحياة، وتغيير القانون لا ينقلنا نحو الإنصاف فالعدالة أن نعطي من لا يملك، ذكرا كان أو أنثى، فأن تحظى الانثى بنفس النصيب لا يعبر عن الخروج من مساحة تفكيرنا، أما عندما نصل لعتبة أخرى يقتسم فيها الزوجان المنفصلان الأملاك مناصفة، نكون اخترقنا حاجز التراث بالكامل، أما في قانون الإرث فهو مجرد نص يخرقه أي إنسان دون وجل، ولكنه في التفكير وفي الرؤية يحكمنا أو يكبلنا أو يجعلنا منسيين في الحاضر والمستقبل.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة