هاشتاغ_مازن بلال
أنهت الدبلوماسية العربية كافة جولاتها بـ”الهدنة المؤقتة”، وظهر احتكار الموضوع الفلسطيني واضحا منذ اللحظات الأولى لطوفان الأقصى، فالنظام العربي باستثناء “بيان قمة الرياض” محايد تجاه الحرب، ويراها من عدسات الإعلام كتأكيد على “وحشية الاحتلال”، بينما تنتهي المسألة الفلسطينية من حقوق إلى تخفيف إيقاع الموت و”التطهير العرقي”، فالدبلوماسية” تبدو كرقصة سريعة تسرق الأبصار أو تحبس الأنفاس، في وقت أصبحت فيه “إسرائيل” حالة غير مسبوقة داخل النظام الدولي.
عمليا فإن الرهانات على الحرب أوسع من عملية “طوفان الأقصى”، وإذا كانت “إسرائيل” تستغل المتاهة الدولية للبحث عن نظام عالمي بتصفية حسابات عالقة عبر تيار الموت في غزة، فإن الجانب الأمريكي والأوروبي عموما لا يدعم الحرب فقط نتيجة موقفه من حماس، وواشنطن ليست عاجزة عن وقف “جماح إسرائيل”، فالوضع في العواصم العالمية ينظر للحرب من زاويتين:
الزاوية الأولى مرتبطة بالبوابة الدولية لأزمات الشرق الأوسط الذي يشهد تحولات منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، فرسالة غزة تبدو كنموذج أمريكي لمسألة التدخل الدبلوماسي، وموسكو وبكين عاجزتين عن التأثير، وتبقى واشنطن اللاعب الوحيد الذي يتيح أدوارا دبلوماسية ضيقة.
أقرأ المزيد: مأزق حرب غزة
بالنسبة للولايات المتحدة تظهر حرب غزة كمساحة نفوذ دبلوماسي، وهي تترك لإسرائيل قوة تدمير تنهك الفلسطينيين ولكنها في نفس الوقت تؤثر بقوة على “السياسة الإسرائيلية” وهو شأن حيوي لواشنطن للتعامل مستقبلا مع حلول أزمات الشرق الأوسط بما فيها الموضوع الفلسطيني، فهناك مشهد فريد تتصرف به “إسرائيل” وكأنها “دولة عظمى” بينما يراقبها العالم بتحفظ شديد، وهذا الأمر لا يعكس حقيقة دولية هو أن الحروب الحالية باتت صعبة التحكم، وتبدو الحرب في سورية ومن قبلها ليبيا نموذجا يريد البيت الأبيض إعادة رسمها من جديد، وفي غزة نافذة أساسية يمكن أن تكسر بتداعياتها الاحتمالات النمطية القديمة.
الجانب الآخر لرؤية الحرب هو في تقييم تحالفات الولايات المتحدة، فالوساطة القطرية تستوجب القراءة كونها نقطة ارتكاز الوساطة، وبغض النظر عن محدودية الأهداف المطروحة لكن السؤال هو عن اختيار قطر، رغم أن هناك دولا عربية تملك تمثيلا دبلوماسيا مع “إسرائيل” أعلى من الدوحة!
أقرأ المزيد: المكاسب الإقليمية في غزة
الاعتماد على قطر ليس جديدا فهي كانت جزءا من التفاوض في الموضوع الأفغاني، وفي كافة حروب غزة ظهرت كطرف في معادلات وقف إطلاق النار، لكن الدوحة بدأت في استيعاب أزمات الشرق الأوسط بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وبشكل أدق مع انتهاء الدور الثلاثي لمصر وسوريا والسعودية، فمن العراق اتساع الدور الإيراني بعد أن كسرت الولايات المتحدة التوازن في منطقة الخليج بكاملها، وحتى في لبنان تحول التوافق من تأثيرات الرياض ودمشق إلى أدوار متحولة أدت عمليا لأزمات متلاحقة.
الاعتماد الأمريكي على قطر لا بد من النظر إليه من خلال رؤية الولايات المتحدة للتوازن، والحرب في غزة أيضا هي جزء من التوازن الذي تدفع فيه واشنطن “إسرائيل” إلى كسر كل الخطوط وتعرية النظامين الإقليمي والعربي، فهناك إعداد “قوة” مختلفة يدفع ثمنها أهالي غزة كمساحة لبلورة التوازن الإقليمي من جديد.