هاشتاغ-مازن بلال
دخلت حرب غزة شهرها الثاني دون أن يتغير المشهد المرافق لكل تفاصيلها، فـ”الجناح الأطلسي” يتململ من الوضع الإنساني لكنه لا يجد ظرفا مناسبا لوقف إطلاق النار، وتطرح هذه الحرب شكلا دبلوماسيا غير مسبوق، فهي الأولى التي تترك للزمن بينما الكل مشغول بكيفية فتح معبر رفح لـ”تخفيف” المعاناة، فالنقاشات السياسية لا تتطرق لوقف إطلاق النار إنما لمنح “القتل” سمة “رحيمة”، ولاختبار كل بنود القانون الدولي حول حقوق المدنيين خلال المعارك.
وتختلف حرب غزة أيضا في رسم ملامح “النصر والهزيمة”، فضمن الشكل التقليدي يحصي الإعلام العربي عدد الآليات المدمرة، ويرصد “تحول” الرأي العام الدولي، بينما يخوض الطرف الآخر “مناورة” سياسية على طول شرقي المتوسط لاختبار العلاقات الدولية في ظل الحرب، فوسط الزيارات المتكررة لوزير الخارجية الأمريكي؛ فإن جولات أخرى من التفاوض عبر أجهزة الاستخبارات تدور في دولة قطر وفق ما هو معلن، وبغض النظر عن قدرة التوصل إلى صفقة بخصوص الأسرى فإن عمق هذا الموضوع يتعلق بترتيب الأدوار الإقليمية من جديد، فحرب غزة تحتاج لقياس مختلف أو حتى لتفكير في طبيعة الصراع بعيدا عن “سلم” درجات “النصر والهزيمة”.
أقرأ المزيد: تحولات حرب غزة
ضمن صورة أولية فإن “إسرائيل” تخوض حربها ليس في شوارع غزة إنما في عمق تكوين “المجتمع الإسرائيلي”، فهي تعيد رسم المخاطر لهذا المجتمع وتدخل في درس قاس من “الحفاظ” على قوة مشروعها الذي بدأ بأول مستوطنة، وهذا ما يفسر “الهلع” الدولي من “طوفان الأقصى” الذي وضع استحقاقا أمام “الوجود الإسرائيلي” لا يرتبط بنوعية عملية حماس، إنما بقدرتها على “النجاة” مع تخلخل النظام الإقليمي، وتحول التحديات من “مواجهة” الدول إلى مخاطر “غير متناظرة” ترتبط بتشكيلات سياسية تعمل خارج مفهوم الدولة، فحماس وحزب الله وحتى الحوثيين يتحركون ضمن مساحات غير مرتبطة بمفهوم الدولة.
عمليا فإن حرب غزة من جانب “الجيوبولتيك” تعيد لهذا المنفذ البري موقعه الذي فقده منذ حرب 1967، فقطاع غزة تاريخيا على الأقل كان مفصلا حساسا في “أمن الإمبراطوريات” القديمة، وكان من العبث وضعه بشكل معزول عندما فككت “إسرائيل” المستوطنات وتركته كجغرافية يمكن محاصرتها في أي لحظة، فقطاع غزة الذي يبدو كجيب يخترق فلسطين كان بالفعل منطقة التحول عبر العصور في “سيطرة” الإمبراطوريات على شرقي المتوسط.
أقرأ المزيد: الحلقة المفقودة في الصراع
حرب غزة التي استنفرت الأساطيل الأمريكية بوقت أسرع من استنفارها لأحداث 11 أيلول تفتح الكثير من الأسئلة، وربما نشاهد اليوم معارك تجاوزت “المقاييس” المتعلقة باستخدام القوة، والدفاع الأمريكي اليوم عن استمرار الحرب لفترات أطول هو رهان على “إعادة” تأسيس الأدوار الإقليمية التي استهلكها ما سمي “الربيع العربي”، بينما يبقى الرهان “الإسرائيلي” على صياغة المخاطر والتحديات في ظل التبدل الذي ضرب المنطقة طوال العقود وحول الصراع من “دول وطنية” ومد قومي، إلى حالة مختلفة تماما تقف خارج مفهوم الدولة لتخوض حروبا عسكرية وسياسية بشكل “غير متناظر”.