هاشتاغ-مازن بلال
ما أُطلق عليه تمرد في روسيا انتهى بأسرع مما يتوقع الجميع، لكن مسألة النهايات ليست بالضرورة إغلاقا لملف ظهر أمام العالم بشكل مفاجئ، فقضية فاغنر تفتح عمليا عنوانا ظهر سابقا خلال حرب العراق باسم “بلاك ووتر” ولاحقا في السودان تحت وصف “الجنجويد” ليتحول لقوة تحارب جيش، وربما كانت هذه الصورة أقدم من كل التواريخ وبتسميات مختلفة تحاول استخدام القوة دون “مسؤوليات أو تبعات قانونية”.
عمليا؛ فإن قضية فاغنر تعبر عن عالم معاصر تم فيه “خصخصة” قطاعات أمنية محددة، وبدل من أن تكون الدولة هي التي تملك شرعية استخدام القوة، فإنها تمنحها لتشكيلات تعمل فوق أراضيها أو في الخارج، وعندما تصبح هذه التشكيلات الأمنية منتشرة في مناطق التوتر فإنها تُعفى غالبا من المسؤوليات القانونية التي تتحملها الجيوش النظامية، فصورة العالم المعاصر تبدو مشوشة في ظل حالة تهرب من القانون الدولي أو الخضوع للهيئات الدولية.
السؤال الذي يظهر سريعا أمام تضخم القوة الأمنية خارج مؤسسات الدولة يرتبط بالقدرة على “تقنين” هذا النوع من القوة، فعلى الرغم من أن منظمة “بلاك ووتر” لم تتمرد على الإدارة الأمريكية، لكنها بأحد أوجهها انعكاس لكل حالات العنف في الولايات المتحدة التي تملك أرضية ضمن القانون الأمريكي عبر شرعنة اقتناء السلاح، واستوديوهات هوليود نقلت لنا أعمالا لا تحصى عن العنف الموجه من الدولة دون تبعات قانونية، ويبدو أن هذه الصورة لا تقتصر على الولايات المتحدة ففي “إسرائيل” نحن أمام جيوش من المستوطنين، وفي مناطق أخرى من العالم فإن الأزمات تفرض وجود فصائل تتجاوز الدولة لتصبح رقما صعبا في معادلة الأمن الوطني أو الإقليمي.
في سوريا ظهر هذا النوع من “التغذية” للأمن الذاتي، فظهرت “وحدات حماية الشعب الكردي” التي تحولت لاحقا إلى “قسد”، وفي العراق ظهر “الحشد الشعبي” على سبيل المثال، وهذه الظواهر تنقل أمرين ليس على المستوى الإقليمي وإنما دوليا:
هو أن “أحلام” ظهور عالم متعدد الأقطاب لا تتناسب مع الظواهر الدولية في خصخصة بعض أشكال الأمن، فهناك قوى مستقلة لا يستهان بها تعمل خارج الضوابط الدولية مهما كان نوع هذه الضوابط.
الشكل الأولي لتصور التعددية القطبية مع وجود مؤسسات أمنية خاصة هو علاقات توازن تصبح تلك الميليشيات
جزءا منها، فالنظام الدولي الذي تعثر ظهوره منذ بداية الألفية يبدو أنه مسكون بهواجس أمنية خارج المؤسسات الدولية، ومسألة “فاغنر” تبين أن مثل هذه القوة تصبح عابرة لـ”الوطنية” بشكل يصعب ضبطها أو حتى التقليل من مخاطرها.
الأمر الثاني يظهر في “القيم” التي تطرحها الدول في صراعها من أجل “نظام دولي” أكثر اتزانا واستقرارا، فما دمنا نتعامل مع سياق أمني خارج هذا “النظام” عبر تشكيلات أمنية عابرة للقارات، فإنه من العبث قراءة التوازن عبر مواضيع القيم التي تطرحها الدول.
إغلاق قضية “فاغنر” فتح مساحات عالم متناقض في بحثه عن الاستقرار، فهناك مسارات متناقضة لم تعد تتعلق بـ”قوى الاستخبارات” التي تمهد لخلق الاضطرابات، إنما بأشكال للدول تتحرك خارج القواعد التي أسست لمفهوم الدولة الحديثة.