هاشتاغ-مازن بلال
يظهر الجانب الآخر من الانفراج في العلاقات السورية – العربية في ضيق المساحات السياسية، وهو ما ظهر بعد اجتماعات “الائتلاف” المعارض في جنيف الذي لم يستطع تقديم تصور جديد، فبغض النظر عن أهمية هذا الاجتماع لكنه يقدم حالة من “الكشف السياسي” مع فقدان التوازن في افتراض معادلة “المعارضة والسلطة”، فعلى امتداد سنوات الحرب كان هناك آلية تعتمد على فرض شريك ضمن التكوين السياسي السوري، وأصبح تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 هو التجلي السياسي لهذا الأمر.
ما يحدث اليوم أن التحرك الدبلوماسي العربي والتركي على حد سواء كسر الافتراض السابق، لكنه في نفس الوقت ترك فراغا على مساحة الشريك السياسي الذي سيكون جزءا من تطبيق القرار الأممي، فالتجربة الخاصة بكل أطراف المعارضة لا تضعهم كشريك قادر على المنافسة في حال الدخول بـ”حوار وانتخابات”، وحتى على مستوى اللجنة الدستورية فإن الرؤية مشتتة لأبعد الحدود، ويبدو حتى اللحظة أن العلاقات مع دمشق تعتمد بالدرجة الأولى على التعامل مع الإجراءات الخاصة بالدولة السورية، بينما تبدو مسائل الشراكة السياسية أو حتى إيجاد “بيئة سياسية” سورية موضوع هامشي.
عمليا فإن الحديث عن “خطوة مقابل خطوة” لا تغطي أي مسألة متعلقة بالبيئة السياسية، فكل ما يُطرح مرتبط بعلاقة دمشق بدول الجوار ابتداء من عودة اللاجئين وصولا إلى التسهيلات الإدارية لحركة المواطنين من وإلى سورية، وحتى في حال الوصول لتعديلات دستورية وحوار وانتخابات فإن الطرف الآخر لا يبدو أنه قادر على التحرك، فافتراض ثنائية المعارضة – السلطة تواجه اليوم تحدي أي عملية سياسية قادمة.
من المفترض أن إجراءات “خطوة مقابل خطوة” ستفتح الباب لعملية سياسية، لكن الشكوك بجدوى هذا الأمر لا يقتصر على الأطراف العربية فقط بل يتعداها نحو الرؤية الأوروبية أيضا، ويظهر هذا الأمر عبر أمرين:
الأول إيجاد شريك سياسي مختلف، وظهر هذا الأمر عبر تأسيس منصة “مدنية” رفعت شعار “الأحقية السياسية للفضاء المدني السوري”، وهذا العنوان الواسع لأبعد الحدود لا يوضح موقع مصطلح “مدنية”، على الأخص أن الكلمة بذاتها استخدمت كثيرا في برامج الإسلام السياسي.
بالتأكيد فإن اجتماع باريس ليس حدثا خاصا، فهناك لقاءات ستجري في لوازان إضافة لاجتماعات العاصمة البلجيكية، فالبحث عن “الشريك” في العملية السياسية قائم خارج الأراضي السورية إجمالا، رغم أن شرعية هذا الشريك تبقى ضمن تأثيرات التحركات الأوروبية أكثر من كونها حالة تمثيل سياسي للمجتمع السوري.
الثاني في التركيز الأمريكي الأخير على مناطق شرقي سورية دون أي اعتبار لاحتمالات المصالحة التركية – السورية، فحيث تتواجد “قسد” هناك نقطة تأثير أمريكية قوية لا تعرقل الحراك الدبلوماسي بل تجعله مشروطا بموقف واشنطن.
من المستعبد أن تطرح واشنطن قسد كـ”شريك” وهي لا تربط وجودها بضمان مستقبل “قسد” السياسي، بل ربما على العكس فهي ومن دون أي تصريحات تجعل التفاوض بين الإدارة الذاتية ودمشق صعبا إن لم يكن مستحيلا.
في الداخل السوري ورغم عدم وجود شرط ذاتي لظهور شريك فإن البيئة السياسية ممكنة، وحتى تأسيس حالة مجتمع مدني أقوى بكثير من المنصات أو التحركات في الخارج، فأي حالة تنموية ولو بسيطة ستساعد في تأسيس هذه البيئة لأن التعامل سيكون مع الفاعلين الاجتماعيين، والمجتمع المدني في النهاية هو ضمان وحاضنة أيضا لأي بيئة سياسية فاعلة، بينما تبقى المؤتمرات التي تراهن على أدوار من الخارج، حتى ولو كانت سورية، مجرد عناوين عريضة تحتاج لشرعية المجتمع السوري.