هاشتاغ – رأي – كيان جمعة
قد يظن البعض أن “فرع الأمن الثقافي” هو عنوان لنكتة يلقيها صحفي مشاغب للإيحاء بالنظرة النمطية التي تطغى على مفهوم الوصاية الفكرية على الوعي الثقافي في بلد عاش 10 سنوات من الحرب والقتل والتدمير.
لكن القرار الذي أصدرته لجنة صناعة السينما قبل يومين، والذي يقضي بمنع أصحاب المحتوى الفني على وسائل التواصل الاجتماعي، وإلزامهم بالترخيص، يشير إلى قصور في فهم مسؤولية صناعة الإعلام والمحتوى الفني والثقافي السوري، وقصور في معالجة مشكلة الأمن الثقافي في زمن العولمة الرقمية التي تصهر وتمحي كل ما يقف في طريقها .
يصح القول هنا إن محاولات قوننة المحتوى الرقمي في سورية عبر حظر المواقع أو منع “الاسكتشات” الفنية المبتذلة لا تشبه إلا محاولة تنشيف ملعب الجلاء بعد المطر بالسطل والإسفنجة، وهي أساليب “عصر حجرية” للتعامل مع أدوات الثورة التكنولوجية التي نعيش تغييراتها مع كل إشراقة شمس جديدة.
ولعل خطوة وزارة الاتصالات بحظر 160 موقعاً إباحياً قبل ثلاث سنوات بحجة “الحفاظ على سلامة المجتمع” إحدى تلك الأساليب الخلبية لمواجهة العولمة الثقافية مع وجود أكثر من 2 مليون موقع إباحي متاح على الشبكة العنكبوتية، ماعدا المواقع ذات المحتوى الشاذ في الإنترنت العميق .
لم يعد خافياً على أحد أن الأمن الثقافي لا يبنى بالحظر والمنع والإغلاق في زمن أصبح فيه كل شيء ممكنا، كما أن الحفاظ على الثقافة المحلية لا يبدأ بحبسها أو تحجيبها أو تغطيتها، فإغلاق النوافذ بالمنخل المحكم لا يجدي أمام الريح العاصفة في غمار واقع استهلاكي أصبحت مخلفاته أمرا حتميا لا يمكن تجنبها، في يومنا الراهن.
إن إحصائيات الدخول إلى المواقع الإباحية على شبكة الانترنت تظهر أن “الترافيك” الشهري أكثر انتظاما من مواقع نيتفليكس، وأمازون، وتويتر مجتمعين، وتبين الأرقام أن 35 % من جميع المواد التى يتم تحميلها عبر الإنترنت ذات صلة بالإباحية، وأن 34 % من مستخدمى الإنترنت تعرضوا لمواد إباحية غير مرغوب فيها عبر الإعلانات، والنوافذ المنبثقة.
إذاً؛ التصدي للابتذال والتسليع لا ينجح عبر فرض الترخيص على صناع المقاطع الفنية المبتذلة، وهذا الإجراء لن ينجِ الأجيال القادمة من التعرض للمحتوى الإباحي، فالشبكة العنكبوتية ليست تابعة لوزارة الاتصالات السورية في حي المزة فيلات غربية، والمحتوى الفني على السوشال ميديا لا يمكن توجيهه من مكتب في مبنى وزارة الإعلام فوق دار البعث، والممثلين على منصات السوشال ميديا غير منتسبين لنقابة الفنانين السوريين ولا يدفعون الاشتراكات كما تفعل “فنانات” الملاهي الليلية في الربوة وجرمانا.
خلاصة القول؛ إن الأمن الثقافي السوري يبدأ من تحصين الهوية لدى الأسرة وفي المدرسة وفي عقول الأطفال، لأن مجتمع تنخره هوجة “وين تغديت” وتربح فيه سلع الكولا والعصير الصناعي والكورن فليكس بالتفاضل مع العصير الحقيقي أو الكعك، هو بأمس الحاجة لترسيخ هوية ثقافية أصيلة بالتوازي مع حماية لقمة عيشه وأمنه الغذائي، فالأمن الثقافي يبدأ في الأسرة التي تستطيع توفير قوت يومها وغذاء أفرادها بكرامة، والأمن الثقافي يبدأ من المناهج المدرسية والجامعية التي تحترم عقول طلابها وترفع من سويتهم العلمية، والأمن الثقافي يأتي من سلطات تؤمن برفع مستوى الوعي الحضاري والفكري لدى شعوبها قبل ترهيبهم بالحبس وتهديدهم بالجرائم الالكترونية.