السبت, أبريل 5, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةأخبارفصل عشرات آلاف الموظفين الحكوميين في سوريا.. بين الإصلاح الموعود والمعاناة اليومية

فصل عشرات آلاف الموظفين الحكوميين في سوريا.. بين الإصلاح الموعود والمعاناة اليومية

هاشتاغ – حسن عيسى 

في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أعلنت الحكومة السورية المؤقتة عن خطط لإعادة هيكلة القطاع العام، بما في ذلك فصل عشرات الآلاف من الموظفين.

هذه الإجراءات، التي تهدف إلى تقليص الفساد وتحسين الكفاءة الإدارية بحسب التصريحات الحكومية، أثارت جدلاً واسعاً بين الموظفين الذين يعانون من عدم استقرار وظيفي واقتصادي.

وطرحت تلك القرارات تساؤلات حول العدالة الاجتماعية وحقوق العمال، في ظل وجود حاجة ماسة إلى سياسات أكثر شمولاً وشفافية لضمان انتقال عادل يحمي حقوق الموظفين، ويعيد بناء الاقتصاد السوري على أسس سليمة.

وفي حين تسعى الحكومة إلى تحسين الكفاءة الإدارية، يعيش الموظفون الذين فقدوا وظائفهم أو يواجهون خطر الفصل في حالة من عدم اليقين والمعاناة اليومية، خصوصاً وأن الحكومة لم تبدأ بعد بصرف الرواتب.

سبب التوظيف كان سبباً للفصل

أحمد، البالغ من العمر 35 عاماً، كان يعمل في إحدى الدوائر التابعة لوزارة النقل لأكثر من عشر سنوات، تلقى إشعاراً بإجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر، مع إشارة إلى أن هذه الإجازة قد تكون تمهيداً لفصله.

ويقول أحمد لـ “هاشتاغ”: “لم نكن نتوقع هذا القرار، لقد عملنا بجد لسنوات، والآن نجد أنفسنا على حافة البطالة دون أي ضمانات، سبب الفصل هو نفسه سبب التوظيف، ذوي شهداء”.

ويعول أحمد، الذي يقطن مع أسرته في أحد الأحياء الشعبية بدمشق، أسرة مكونة من خمسة أفراد، ويعتمد بشكل شبه كلي على راتبه الذي لم يُصرف منذ شهرين.

“نعيش على المدخرات القليلة التي لدينا، ولكنها لن تدوم طويلاً، إذا لم يتم صرف الرواتب قريباً فلن نعرف كيف ندفع فواتير الكهرباء والماء”، يضيف أحمد بقلق.

ويشير أحمد إلى أنه اضطر لتقليل نفقات الأسرة، بما في ذلك تقليل عدد الوجبات اليومية، وبدأ في البحث عن عمل مؤقت في القطاع الخاص، لكن الفرص محدودة بسبب الأزمة الاقتصادية.

إعادة توزيع غير مؤكدة

سمر، البالغة من العمر 28 عاماً، كانت تعمل ممرضة في أحد المشافي الحكومية وسط العاصمة دمشق، عندما تلقّت إشعاراً بإجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أشهر، مع إعلامها بأنها قد يتم إعادة توزيعها في دائرة أخرى.

وتقول سمر لـ “هاشتاغ” : “لم نُعطَ أي تفاصيل عن المكان الجديد أو طبيعة العمل، كل ما نعرفه هو أننا قد نفقد وظائفنا الحالية دون ضمانات”.

وتعيش سمر مع والدتها المريضة، معتمدةً على راتبها لتغطية نفقات العلاج، في حين أنها اضطرت إلى بيع بعض ممتلكاتها الشخصية والاعتماد على المساعدات العائلية لتأمين الاحتياجات الأساسية.

وتضيف: “الوضع صعب جداً، الرواتب متأخرة ولا نعرف متى سيتم صرفها، اضطررنا إلى اعتماد أساليب تقشف شديدة وشراء الأدوية بكميات أقل ريثما يستقر الحال”.

فقدان تام للعمل

خالد، البالغ من العمر 40 عاماً، كان متطوعاً في جيش النظام السابق لأكثر من 15 عاماً، ليصبح عاطلاً عن العمل بعد تفكيك المؤسسة العسكرية السابقة وإجرائه للتسوية التي طلبتها الإدارة الجديدة.

ويقول خالد لـ “هاشتاغ”: “بعد التسوية، تم إخباري بأنني لن أكون جزءاً من الهيكل الجديد، لم أتلقَ أي تعويض أو راتب منذ أشهر، ولدي ثلاثة أطفال أعمل على دراجة نارية كي أستطيع إطعامهم”.

ويضيف: “نعيش يومياً على الأمل بأن الأمور ستتحسن، ولكن الواقع قاسٍ، لا أعرف كيف سأوفر التعليم لأطفالي أو حتى الطعام اليومي في ظل ندرة فرض العمل وضعف المردود الذي أحصل عليه من خلال عملي الحالي”.

إضافةً لعمله على الدراجة، يعتمد خالد على الأعمال اليومية المؤقتة مثل ورشات البناء، لتأمين الحد الأدنى من الدخل.

ردود الفعل الحكومية والانتقادات

أعلنت الحكومة عن خطط لرفع الرواتب بنسبة 400%، ولكن هذه الزيادة لم تُنفذ بعد، في ظل مخاوف من ارتفاع نسب البطالة بشكل غير مسبوق.

كما تم الإعلان عن إعادة هيكلة القطاع العام وحذف آلاف أسماء الموظفين الوهميين، ولكن هذه الإجراءات قوبلت بانتقادات بسبب سرعتها وعدم شفافيتها.

ويرى خبراء أن هذه الخطوات، رغم إيجابيتها، لن تكون كافية لتحسين الوضع المعيشي للموظفين الذين يعانون من الفقر المدقع، خصوصاً وأنها قد تدفع بآلاف المفصولين منهم للتوجه إلى أعمال غير مشروعة من أجل تأمين قوت يومهم.

أكثر من مجرد عوامل اقتصادية

ترى الباحثة الاقتصادية والوزيرة السورية السابقة الدكتورة لمياء عاصي في حديثها لـ “هاشتاغ” أن أسباب فصل الموظفين لا تقتصر على العوامل الاقتصادية فقط.

وتوضح أن الأسباب المعلنة تشمل عدم الثقة بموظفي النظام السابق، خاصة في القطاعات الأمنية والعسكرية مثل الأمن الداخلي (الشرطة).

كما تشير إلى أن بعض عمليات الفصل تهدف إلى تقليص العمالة المقنعة أو الزائدة، حيث تم اكتشاف موظفين مسجلين في أكثر من مؤسسة، بالإضافة إلى حالات فساد مرتبطة بتوظيف بعض الأفراد.

وتشتشهد عاصي بكلام وزير المالية في الحكومة السورية المؤقتة، الذي أعلن مؤخراً عن وجود حوالي 400 ألف موظف وهمي يتقاضون رواتب دون أداء عمل فعلي.

جوهر الإصلاح الاقتصادي

تشير الدكتورة عاصي إلى أن جوهر الإصلاح الاقتصادي يتمثل في رفع كفاءة القطاعات إلى أقصى حد ممكن، مؤكدةً على ضرورة توفير برامج عمل بديلة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الموظفين المفصولين.

وتوضح أن تخفيف العمالة الفائضة في المؤسسات العامة يعد عاملاً مساعداً لتحقيق هذه الكفاءة، لكنها تؤكد أن هذا الإجراء يجب أن يتم وفق معايير وضوابط قانونية واضحة.

وتضيف: “يجب مراعاة تسريح الموظفين وفقاً للقانون، بما في ذلك تحديد فترة الإنذار وحساب التعويضات المستحقة أو التقاعد بناءً على سنوات الخدمة”.

 

تداعيات الأزمة

تحذر الدكتورة عاصي من أن الأزمة الاقتصادية الحالية مركبة وتراكمية، حيث يعاني الاقتصاد السوري من آثار سنوات الحرب.

وتشير إلى أن ارتفاع معدلات البطالة يؤدي إلى زيادة عدد الأسر الفقيرة، مما ينعكس سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين.

وتقول: “بدأنا نشهد انخفاضاً كبيراً في القدرة الشرائية، حيث يعجز الكثيرون عن تأمين قوت يومهم. كما أن المنتجين وأصحاب المحلات لم يعودوا قادرين على بيع بضائعهم، مما يهدد بدخول البلاد في أزمة اقتصادية خانقة”.

 

نماذج دولية ناجحة

ترى الدكتورة عاصي أن سوريا يمكنها الاستفادة من النماذج الدولية الناجحة في إعادة هيكلة القطاع العام، مثل تجارب ماليزيا وفيتنام.

وتوضح أن هذه الدول نفذت إصلاحات اقتصادية مدروسة، حيث تم تحويل الملكيات العامة إلى أسهم وطرحها للبيع أو توزيعها على العمال وفق نسب محددة.

وتضيف: “يمكن للحكومة أن تقوم بإصلاح القطاع العام ورفع كفاءته دون التسبب في كوارث اجتماعية واقتصادية، شرط أن يتم ذلك وفق جدول زمني محدد وبخطوات مدروسة”.

وتشدد الدكتورة عاصي على أن الوظيفة العامة في دولة مرت بـ 13 عاماً من الحرب لا يمكن النظر إليها فقط من زاوية مادية وربحية.

وتقول: “صحيح أن التوظيف الحكومي يشكل كلفة زائدة على الخزينة العامة، لكن ارتفاع نسبة البطالة له تأثير مدمر على المجتمع ككل، سواء على المستهلكين أو المنتجين”.

وتحذّر من أن الدولة لن تتمكن في فترة قصيرة من تأمين بدائل اقتصادية للموظفين المفصولين، مما يستدعي إعادة النظر في عمليات التسريح الكبيرة.

وتضيف: “هذه الإجراءات ليست في مصلحة الخزينة العامة، حيث من المتوقع أن تؤدي إلى زيادة العجز المالي في الموازنة العامة بسبب ارتفاع معدل البطالة”.

دور القطاع الخاص

تشير الدكتورة عاصي إلى أن القطاع الخاص في سوريا يعاني من ضعف كبير نتيجة السياسات الاقتصادية المحبطة خلال السنوات الماضية.

وتقول: “ليس بإمكان القطاع الخاص استيعاب حتى جزء من الموظفين المفصولين. بل على العكس، بدأ القطاع الخاص بتخفيض الرواتب بسبب زيادة العرض من الباحثين عن عمل”.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة