هاشتاغ: عبد الرحيم أحمد
ذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن “المشروع الصهيوني أصبح منذ عقود في أسوأ حالات الدفاع عن نفسه” وأن “إسرائيل” تعيش في “ورطة خطيرة” حيث تعاني من انقسام داخلي حاد من المستبعد أن يتحسن، وهي تغرق في حرب غزة التي لا يمكن تحقيق النصر فيها خصوصاً أن “جيشها بدأ يظهر علامات الإجهاد”.
ليس هذا فحسب بل إن “الحرب الأوسع مع حزب الله أو إيران” لا تزال احتمالاً قائماً ناهيك عن معاناة الاقتصاد الإسرائيلي المهدد بإغلاق “أكثر من 60 ألف شركة هذا العام”.
تراجع الدعم الدولي
وتشير المجلة في مقال للكاتب ستيفن م. والت، أن تصرفات “إسرائيل” الأخيرة “ألحقت ضرراً خطيراً بصورتها العالمية، وأصبحت دولة منبوذة بطرق لم تكن متخيلة في السابق”. فبعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، `”تلقت إسرائيل تدفقاً كبيراً ومناسباً من التعاطف من مختلف أنحاء العالم” ولكن بعد أكثر من عشرة أشهر، “أهدرت حملة الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة وعنف المستوطنين المتزايد في الضفة الغربية تلك الموجة الأولية من الدعم.”
وذكرت المجلة في هذا السياق قيام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بطلب إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؛ وإصدار محكمة العدل الدولية نتائج أولية تصف تصرفات إسرائيل بأنها إبادة جماعية في طبيعتها ونيتها، وإعلان المحكمة أن احتلال إسرائيل واستعمارها للضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية يشكل انتهاكا واضحا للقانون الدولي.
ورأت المجلة أنه أمام هذا الواقع فإن “المدافعين عن الصهيونية الذين يضعون رأسهم في الرمال فقط يستطيعون النظر إلى ما يحصل في غزة دون أن يشعروا بالانزعاج الشديد، أو حتى الرعب”، مشيرة إلى تراجع الدعم في الولايات المتحدة “لأفعال إسرائيل بشكل حاد” وخصوصاً بين الشباب الذين يعارضون موقف بايدن من تلك الأفعال.
ولفتت إلى أن إلقاء اللوم عن هذه المشاكل على نتنياهو الذي يستحق بالتأكيد الانتقادات التي تلقاها في الداخل والخارج “يتجاهل مشكلة أعمق وهي: التآكل التدريجي في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي على مدى السنوات الخمسين الماضية.”
الصهاينة الأوائل تحلوا بالواقعية
وتقول المجلة “لقد كان الصهاينة الأوائل والجيل الأول من قادة إسرائيل من الاستراتيجيين البارعين” وقد نجحوا من خلال “التحلي بالواقعية الشديدة” بكسب دعم القوى العالمية المهيمنة والقبول بالترتيبات المؤقتة شريطة أن تقربهم من أهدافهم النهائية.
وتضيف أنه بعد الحصول على موافقة دولية بإقامة “الدولة” عام 1948 عملت الطبقة السياسية على إقامة تحالفات مع عدد من دول العالم أكثرها أهمية إقامة “علاقة خاصة” مع الولايات المتحدة، تستند بشكل أساسي إلى القوة المتنامية والنفوذ المتصاعد لــ “لوبي إسرائيل”.
وأردفت أن “زعماء إسرائيل الأوائل” أدركوا ضرورة الحصول على الدعم الدولي فعمدوا إلى “الدبلوماسية الذكية والخداع” لتطوير “ترسانة سرية من الأسلحة النووية وإخفاء الحقائق الوحشية لتأسيس إسرائيل”.
الغرور الصهيوني بداية الانحدار
ومرت المجلة على الأخطاء التي وقع بها “الزعماء الإسرائيليين” الأوائل منهم بن غوريون عندما تواطأ مع بريطانيا العظمى وفرنسا لمهاجمة مصر في أزمة السويس عام 1956 ثم اقترح أن إسرائيل قد لا تسحب قواتها، الأمر الذي تراجع عنه بسرعة أمام إدارة أيزنهاور التي رفضت الفكرة.
وعدّت المجلة أن نقطة التحول في الإستراتيجية الصهيونية كانت في حرب 1967 وشعور الإسرائيليين “بالغطرسة” جراء الحسم السريع للحرب الأمر الذي “قوض الحكم الاستراتيجي الإسرائيلي” منذ ذلك الحين.
وبالنسبة للمجلة فإن “الخطأ الرئيسي” كان “قرار الاحتفاظ بالضفة الغربية وغزة واحتلالهما، كجزء من محاولة بعيدة الأمد لإنشاء “إسرائيل الكبرى”، لأن هذا “الاحتلال أوجد توتراً لا مفر منه كدولة يهودية لا يمكن لها البقاء إلاّ من خلال قمع الحقوق السياسية للفلسطينيين وإنشاء نظام فصل عنصري، في عصر حيث كان مثل هذا النظام السياسي لعنة على أعداد متزايدة من الناس في جميع أنحاء العالم”.
إسرائيل الكبرى والأخطاء القاتلة
وتضيف المجلة أن الخطأ الآخر هو إضاعة “إسرائيل” الفرصة الواعدة التي أوجدتها اتفاقية كامب ديفيد مع مصر و”معالجة القضية الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد” وذلك بسبب “التزام رئيس الوزراء آنذاك مناحيم بيغن العميق بهدف إقامة دولة إسرائيل الكبرى وعدم رغبته في إنهاء الاحتلال”.
الخطأ القاتل الآخر الذي يدل على “تآكل الحكم الاستراتيجي الإسرائيلي” هو “الغزو المشؤوم للبنان في عام 1982” والذي أراد منه المتشدد أرييل شارون “تشتيت منظمة التحرير الفلسطينية وإقامة حكومة موالية لإسرائيل في بيروت” لكن الغزو أدى في النهاية “بشكل مباشر إلى نشوء حزب الله، الذي أجبرت مقاومته المتزايدة إسرائيل على الانسحاب من لبنان في عام 2000”.
كما أن الغزو وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان “لم يوقف المقاومة الفلسطينية، بل مهد الطريق للانتفاضة الأولى في عام 1987 في إشارة واضحة على أن الفلسطينيين لن يغادروا وطنهم ولن يخضعوا للقمع الإسرائيلي الدائم”.
“إسرائيل” غير مستعدة للقبول بدولة فلسطينية
ولفتت المجلة إلى أن الزعماء الإسرائيليين ورغم إدراكهم بأن “القضية الفلسطينية لن تختفي” لم يكونوا في يوم من الأيام مستعدين للقبول بدولة فلسطينية خاصة بالفلسطينيين، وحتى مع قبول السلطة الفلسطينية “بوجود إسرائيل” في اتفاق أوسلو عام 1993 بقيت أفضل العروض الإسرائيلية أقل من “دولة قابلة للحياة” لا يمكن لأي زعيم فلسطيني شرعي أن يقبلها.
وأشارت المجلة إلى أن “تحقيق السلام مع الفلسطينيين يتطلب من إسرائيل” وقف توسيع المستوطنات في الأراضي المحتلة والعمل مع الفلسطينيين لإقامة حكومة قادرة وفعالة وشرعية. ولكن الإسرائيليين من شارون إلى نتنياهو فعلوا العكس فقد رفضوا وقف التوسع الاستيطاني، وعرقلوا مراراً وتكراراً الجهود الرامية إلى “تحقيق حل الدولتين”.
وتسببت هذه السياسية، بحسب المجلة، بسلسلة من المعارك المدمرة ولكنها غير حاسمة، إذ لم تستطع سياسة “جز العشب” التي مارستها “إسرائيل” ضد المقاومة الفلسطينية أن “تضع حداً لها” بل ازدادت قوتها وظهرت في الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وختمت المجلة بأن المثال الأخير عن قصر النظر الإستراتيجي الإسرائيلي يتمثل في رفضها للجهود الدولية للتفاوض حول برنامج إيران النووي، فهي تريد أن تبقى القوة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية في الشرق الأوسط.
رغم ذلك فقد عارض نتنياهو وأنصاره المتشددين، إلى جانب لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية والمجموعات الأكثر تشدداً في جماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة، الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول الكبرى مع إيران عام 2015 ولعبوا دورا رئيسياً في إقناع الرئيس دونالد ترامب آنذاك بالانسحاب من الاتفاق عام 2018 “ومن الصعب أن نتخيل سياسة إسرائيلية أكثر قصر نظر”.
أسباب التراجع الحاد في البراعة الإستراتيجية الإسرائيلية
ترى المجلة أن أحد العوامل المهمة هو الشعور “بالغطرسة والإفلات من العقاب” الناجم عن حماية الولايات المتحدة ودفاعها عن “إسرائيل” مهما فعلت ولذلك لم تعد ترى تل أبيب حاجة إلى التفكير ممارساتها وأفعالها.
وتضيف أن تصوير “إسرائيل” نفسها دائماً أنها الضحية واعتبار كل “معارضة لسياساتها على أنها معاداة السامية” لا يساعد كثيراً، بل يجعل من الصعب على الزعماء الإسرائيليين وجماهيرهم إدراك أن “أفعالهم هي التي تؤدي إلى إثارة العداء الذي يواجهونه”.
وأشارت المجلة إلى أن “النفوذ المتزايد لليمين الديني” في السلطة الإسرائيلية و”اتخاذ قرارات إستراتيجية بناءً على نبوءات نهاية العالم وتوقع التدخل الإلهي” يشكل “وصفة للكارثة”.
ورأت المجلة أن أفضل وصفة لإصلاح هذا الوضع تكمن في أن يمارس”أنصار إسرائيل” في الولايات المتحدة من الديمقراطيين والجمهوريين الضغط عليها واستخدام “جرعة كبيرة من الحب القاسي” تجاه “الدولة اليهودية” من أجل إعادة النظر في مسارها الحالي وأن تعيد “جماعات الضغط” مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية( الأيباك) التفكير في دورها في قيادة إسرائيل إلى المأزق الحالي.
وخلصت المجلة إلى أنه من المؤسف أنه لا توجد أي علامة على حدوث ذلك في أي وقت قريب. وبدلاً من ذلك، “تعمل إسرائيل وأنصارها في الولايات المتحدة على تعزيز هذا المسار، وهذه وصفة لمشاكل لا نهاية لها، إن لم يكن لوقوع كارثة”.