هاشتاغ_ إيفين دوبا
صدم المصرف الزراعي السوري الفلاحين بقرار رفع سعر الأسمدة بنسبة تقارب الضعف، في وقت يعانون من تأمين الأسمدة بسعر “مدعوم” فضلًا عن تأمين بقية مستلزمات الإنتاج الزراعي، كالمازوت والبذار وأجور الحراثة وغيرها.
ويقف الخوف الأكبر من تبعات القرار على إنتاج محصول القمح الذي تدهور العام الماضي باعتراف وزير الزراعة السوري محمد حسان قطنا الذي قال: “خسرنا العام الماضي ما لا يقل عن 3 مليون طن من الإنتاج”.
وبحسب الوزير السوري، تمّ خلال العام الماضي إنتاج “حوالي 1.9 مليون طن، لم يسوَّق منها للحكومة سوى 360 ألف طن. بينما تم هذا العام زراعة حوالي مليون ونصف المليون هكتار”.
بديل “غير مدعوم”
تستورد سوريا معظم كميات الأسمدة اللازمة للزراعة. وخوفاً من قانون “قيصر”، “لم تتقدّم أي شركة لمناقصات استيراد الأسمدة” في فترة سابقة بحسب الوزير، لذا تم تعديل الآلية، إذ ستعتمد الحكومة على الأسمدة العضوية بديلاً من المستوردة، وستقوم بالتحضير لورشات تدريبية للفلاحين على إنتاجها بشكل ذاتي وتقديم القروض الميسرة لهم، لأن “الأسمدة العضوية أقلّ تكلفة، وذات تأثير إيجابي كبير في جودة الإنتاج وكميته”، حسب قوله.
وعن اعتماد السماد العضوي، قال مصدر خاص في وزارة الزراعة لـ”هاشتاغ” إنّ “السماد العضوي يمكن أن يكون بديلاً حقيقياً للسـماد الكيماوي، لكن هذا الملف لم يتم العمل به أو وضع المواصفات الفنية له حتى الآن”.
وتسعى الوزارة إلى إيجاد حلول لمواجهة التّحدي القديم الجديد المتمثل بنقص الأسمدة الآزوتية، إذ إنّها لم تتمكن من تأمينها هذا العام سوى لمحصولي القمح والشوندر السكري، مُعتمدةً على الإنتاج المحلي لمعمل حمص.
وتبلغ الحاجة المحلية من الأسمدة الزراعية نحو 500 ألف طن من مختلف أنواع الأسمدة، بحسب تصريح للاتحاد العام للفلاحين، بينما قدّرت وزارة الزراعة احتياجات الخطة الزراعية لهذا العام بحدود 300 ألف طن منها 100 ألف طن لمحصول القمح من السماد الآزوتي، و200 ألف طن فوسفات، و10 آلاف طن بوتاس.
ويقول مسؤولون في المصرف الزراعي، إنّ قرار رفع الأسعار جاء “بناء على سعر الكلفة، مضافاً إليها 2 في المئة هامش ربح للمصرف”، ذلك نتيجة ارتفاع أسعار الأسمدة عالمياً، واعتماد سوريا على استيراد معظمها.
ويوجد في سوريا ثلاثة معامل لتصنيع الأسمدة تتبع للشركة العامة للأسمدة، وفي عام 2019 استثمرت شركة ستروي ترانس غاز الروسية شركة الأسمدة لمدة 40 عاماً، وتضمن العقد إيصال المعامل إلى الطاقة التصميمية في غضون عامين، ومع ذلك سوريا ما زالت تستورد السماد، كما أنّ المصرف الزراعي يستجر السماد من القطاع الخاص بدلاً من الشركة العامة للأسمدة.
وقالت وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي تعقيباً على قرار رفع أسعار الأسمدة، إنه سينعكس بشكل مباشر على أسعار المنتجات الزراعية. وبالتالي يسبّب ارتفاع معدل التضخم المرتفع أصلاً، واتساع الفجوة بين الدخل وتكاليف المواد الضرورية للمعيشة.
وارتفعت نسبة التضخم في سوريا لعام 2022 إلى أكثر من 130 في المئة، واحتلت مرتبة متقدمة ضمن قائمة أكثر اقتصادات العالم تضخماً، حيث جاءت بعد فنزويلا والسودان ولبنان. بحسب موقع الاقتصادي “تريندينغ إيكونوميك”.
وأضافت الوزيرة السابقة أنّ أقل ما يقال عن هذا القرار بأنه خطوة غير مدروسة لجهة التأثير السلبي على القطاع الزراعي، وخصوصاً بالنسبة لإنتاج القمح والحبوب الرئيسية الأخرى.
حجج وذرائع
خبير اقتصادي، رفض الكشف عن اسمه، فنّد كل الذرائع والحجج التي تسوقها الجهات الحكومية لقرار رفع أسعار السماد.
يقول الخبير في حديث لـ”هاشتاغ” إنه “لا يوجد أي استعداد حكومي لسماع المشكلة المتعلقة بالسماد، رغم أنهم يعرفون الخلل ومكامنه”.
ويؤكد الخبير أن عملية ترخيص السماد كلها خاطئة، وأن أول ما يجب القيام به هو تقدير كميات السماد، والتي هي “عناصر كبرى وصغرى”، الكبرى تشمل ” الآزوت والفوسفور والبوتاس والكالسيوم والمنغنزيزم إلى حد ما والكبريت والصوديوم”، والصغرى تشمل الحديد والنحاس والمنغنيز والزنك”.
ويشير إلى أن الأساس المعتمد في سوريا بالنسبة إلى السماد هو “يوريا ونترات الأمونيوم والسوبر فوسفات”.
ويوضح بأن “أول نقطة يجب القيام بها، هي تقدير كميات الأسمدة، وهذا أول خلل في عمل الوزارة، وهو أن الكميات التي تقدرها الوزارة خاطئة، وبفروق هائلة، ورغم التنبيه إلى أن هذه الفروق هائلة، إلا أن المعنيين بالأمر لا يعرفون حساب تلك الكميات”.
وبأدنى المقاربات – وفقاً للخبير – نحتاج ما بين 330 إلى 600 ألف طن من اليوريا فقط للقمح، وفق المعادلة السمادية، والحاجة إلى السوبر فوسفات مثلها، ولكن لا يوجد منها لكي يتم إعطاؤها للفلاح، ولم يتم توزيعه”.
خارج عن “إرادة” الحكومة
الأستاذ الجامعي في وزارة الزراعة السورية، الدكتور أمجد بدران قال إن رفع سعر السماد هو خارج عن إرادة الحكومة حسابياً ويرتبط بشكل مباشر بحالة “إنكار” أكبر وحالة كذب وهرب في وضع اقتصاد الدولة الإنتاجي.
وأكد أنّ واجب الوزارة هو الإنتاج ومعايرة السوق في السعر ومعايرة الجودة لكل سلعة زراعية مع الإشراف على كل شيء وتأمين المستلزمات لكل شيء.
ويذكّر بدران بأنه “حين خرج مسؤولو وزارة الزراعة ليقولوا إنّ الوزارة توصي بإضافة 75 في المئة من كمية اليوريا للقمح فقط واعتبروا ذلك اكتشاف وتوصية بحثية أكدتُ بأن كل من يتلفظ بهذا الكلام يجب إقالته في الحال”.
وقول: “حجم المغامرة في التكاليف عند الفلاح يكبر، وأثر رفع سعر السماد الذي هو تضخم حقيقي سيظهر في رواتب الفقراء واصفراراً بوجوههم قبل أن تظهر أعراض نقص السماد على أوراق النبات”.
رفع أسعار الأسمدة.. رفع نسبة الفساد
مدير المصرف الزراعي السوري أحمد الزهري برّر القرار الجديد بالقول إنّ “الزيادة بشكلٍ عام معقولة، فأسعار السماد عالمياً مرتفعة، على سبيل المثال سعر الطن من سماد اليوريا 800 دولار”.
وأشار الزهري، إلى أن “المصرف الزراعي التعاوني لجأ بعد توقف معمل الأسمدة في حمص، والمستثمر من قبل شركة روسية عن الإنتاج، إلى كافة الوسائل لتأمين السماد للفلاحين سواء عن طريق الاستيراد أو محلياً من القطاع الخاص”.
وتابع مدير عام المصرف: “وبالرغم من الزيادة الحالية لا زالت أسعار مبيع السماد لدى المصرف الزراعي التعاوني أقل بكثير مما هي عليه في القطاع الخاص الذي يبيعه بين 4.5 إلى 5 ملايين ليرة”.
ويؤكد مدير المصرف الزراعي أن الرصيد المتوفر من سماد اليوريا يكفي نصف الاحتياج وهناك دفعات جديدة قادمة وفق العقد مع صربيا لتأمين 30 ألف طن يوريا وصل منها باخرة بحمولة 8500 طن، بالإضافة للعقود مع إيران.
وأشار إلى أن محصول القمح يحتاج بشكل إجمالي بحسب وزارة الزراعة 100 ألف طن، ونظراً للعقد الصربي سيتم تأمين 50 ألف طن، واستيراد كميات إضافية.
ويشكو العديد من الفلاحين، مع غياب السماد الحكومي، من تنشيط السوق السوداء للإتجار به، وبأسعار خيالية.
وتوقع الخبير الاقتصادي عامر شهدا أن قرار برفع أسعار الأسمدة سيؤدي إلى رفع نسبة الفساد، وبالتالي يرفع الأسعار بنسبة تبلغ نحو 65 في المئة، إضافة إلى وجود ندرة في السوق.
وقال إن القرار سيؤدي إلى رفع سعر القمح أو الشعير 100%، لتصبح قيمة القمح أغلى من القمح العالمي.
وبينّ أنه وفي ظل القدرة الشرائية الضعيفة سيحل القمح الذي سيزرع هذا العام إلى علف للحيوانات لأنه سيخسر في حال زراعته وفق هذه الأسعار الغير منطقية.
ما هو الحل؟!
الحل من وجهة نظر الخبير الزراعي يكمن في الاعتراف بالكميات الحقيقة التي يحتاجها القطر لكل المحاصيل، ووضع المعادلات بشكل علني وعلمي، “فليس لدينا ما يسد الحاجة الفعلية للبلاد”.
كما يجب إصدار جداول مبيعات المصرف الزراعي في كل عام والاعتماد عليها في تقرير يفصل؛ هل تم سد الحاجة المحلية أو لا، وإظهار أرقام القطاع الخاص في مجال الأسمدة وبالتفصيل ولكل نوع من الأسمدة.
إذاً، نحن بحاجة إلى أن ننتج وننافس، لا أن نستمر بالعملية نفسها، خاصة مع وجود خلل كبير بالقطاع الخاص، لا يقل أهمية عن الخلل في القطاع العام.
وعن هذا الخلل، يقول الخبير: “إن عملية ترخيص الأسمدة للقطاع الخاص، فيها شوائب، ومعروف سعر كل لجنة، والوزير يعلم هذا الكلام، فكله يتحقق عبر الرشاوي .
لافتاً إلى أن ما يحصل خلال عملية الترخيص، في أغلب الأحيان، لتاجر من قطاع خاص “يتم أخذ العينة بطريقة غير عشوائية ويرسلونها مع مبلغ الرشوة لترخيص النسب المحددة، وهذا كله تزوير؛ حيث لا يوجد لدينا مخابر تقيس بشكل صحيح، وفي حال تم تحليلها لا يتم حساب النسب بطريقة صحيحة، وقد تصل الفروقات إلى 500 في المئة”.
ومع كل الأخطاء التي يقع بها القطاع العام والخاص، على السواء، ثمة أراضٍ تنتظر السماد، وفلاحون يحلمون بالإنتاج الوفير، ومواطنون يأملون يتوافر المادة دون انقطاع، وتبقى مهمة الوزارة تأمين السماد للمزارعين، إذ أن الارتفاع الأخير كان بمثابة المسمار الأخير في نعش الزراعة.