الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةقلق الأيام القادمة

قلق الأيام القادمة

هاشتاغ – نضال الخضري

 يشكلنا الخوف ويعيد القلق رسم الملامح، فما اعتدناه لسنوات هو الترقب فقط ووجوه المحللين وهي ترسم مستقبلنا على تحذيرات وتطمينات، ولكن الأيام الماضية علمتنا أن الأثمان التي ندفعها لا تستثني أحداً، وأن الحرب التي لم تتوقف هي صورة مثالية لمحاولات كتابة أيامنا على رياح عاتية، فالهدوء ليس سمة مجتمعاتنا، والفقر أو الحاجة لم تقف يوماً أمام سرعة الأحداث والأيام، فليست حلب أو حماة سوى صور مكررة تحفر في الذاكرة سطورا عن أحلام الأجيال السابقة، وعن التأسيس الأول لبلاد أصبحت تملك فائضاً من التاريخ.

 لا أحد يستطيع سرد الأحداث أو تفسير انفجار أيامنا المفاجئ، فترتيبات السياسة تتجاوز غالباً كل الآمال، ولكن سوريا تبقى على الرغم من كل اضطراب أهلها وهي بالتأكيد ليست على شاكلة نشرات الأخبار أو شتات التصورات التي يحاول الإعلام تكوينها لتحمل معها إثارة خاصة، فالتهويمات التي يحملها البعض ويريد فرضها على الجميع لا تنقل في النهاية إلا تشوه التفكير أو المعرفة أو حتى عدم القدرة على استرجاع الاتزان نتيجة حالات الاضطراب المفاجئ.

 لم تعد المسألة خسارة مدينة، أو حتى فقدان أحبة في معارك تنتشر سريعاً، ففي النهاية هناك إصرار على قتل أحلام الأجيال القادمة، فسنوات البؤس الماضية كانت على الأقل تحمل ألواناً من ذكريات سابقة، ومن صور لمدن يصر أهلها على قدرتها وقوتها وحبها للحياة، واليوم الجميع من حولنا يريد إجبارنا على وقف أحلامنا ووضعها في مساحة خاصة من التصفيات السياسية المستمرة يومياً على مسرح المعارك.

أيام قليلة من الحرب الموجعة تضعنا أمام حالة من رؤية أنفسنا، فللتفسيرات السياسية مسارها ولنا تصوراتنا القائمة على إرث قديم من الغزوات المستمر منذ فجر التاريخ، فالحرب هي شكل الائتلاف الاجتماعي الذي نعرفه منذ فجر التاريخ، ومن يقرأ سوريا خارج حالة الحرب لا يعرف أن أي إبداع قدمته هو نتيجة مستمرة حتى في عقود الهدوء، وإذا كانت الثقافة قد تبدلت، أو أصبحت من صناعة “المؤثرين” في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن بنية البلد ستبقى وستخلق بعد عقود الحرب لوناً ثقافياً يتسق مع سماتها الخطرة.

 من لا يعرف سوريا لا يحق له الحديث بسرعة عن الخوف والقلق الذي يجتاح أهلها، فالحدث في حلب يتحول سريعاً لحالة انسجام مع الحدث، وجغرافيا المدن لا يستطيع أحد سحق إرثها الخاص فهي تستوعب ما يحدث وتعيد رسم حياتها من جديد، فلا الإرهاب قادر على تغير “القدر الجغرافي” ولا التحليلات السياسية ستعيد تشكيل سوريا، ففي النهاية هناك نبض حياة يستطيع البقاء وسط كل حالات القسوة التي تجتاحنا، فنحن قلقون وخائفون لكننا نعرف أن هدية الحياة لنا كانت في الوجود على أكثر الدول قدرة على امتصاص القسوة والحروب.

 الخطر يشكلنا ويجعلنا مزيجاً من الخوف والرغبة في الحياة فنرتسم من جديد على جدران قلعة حلب وعلى نواعير حماة صورة للبقاء الذي يرتقي بالصبر إلى أعلى المراحل.

مقالات ذات صلة