خاص لـ “هاشتاغ”
قبل أقل من أسبوع، اتصل بي صديق قديم تعرّفت عليه سنة 2015 قبل أن يهاجر إلى ألمانيا. خلال اتصاله كان محمد خائفاً، وهو العائد من الغربة قبل ثلاثة أشهر فقط.
سألته عن سبب خوفه فقال بأن “مجموعة من الأشخاص بزي عسكري يدّعون أنهم يتبعون لجهة ما، ويتهمونني بسرقة خط كهرباء من أحد الخطوط الخاصة لمسؤول يسكن قرب منزلي.”
كلام محمد ليس مهماً فيما تبقى منه، لأن موضوع بحثنا يتعلق بشق الكهرباء فقط. أثار انتباهي كلام صديقي عن خط كهرباء 24/24، يصل إلى منزل أحد المسؤولين، في حين أعرف منزل صديقي جيداً، وهو جار المسؤول ويُنار بالليدات “اللد هو الإنارة عن طريق كهرباء 6 فولط بطارية “.
ما لفتني أن حلب برمتها تعاني من قطع شبه كامل وشامل للكهرباء منذ بداية الشتاء تقريباً، وهي اليوم تمر بأسوأ أحوالها، على خلاف ما يقوله المعنيون عن واقع الكهرباء في البلاد، كهرباء حلب من سيء إلى أسوأ.
في هذا الواقع تنار منازل مسؤولين على مدار الساعة، ما قد يبرر ربما جزءاً من الحال الذي نعيشه في هذه المحافظة المنسية، فعندما ينعم أولو الأمر بالرخاء فمن الطبيعي ألا يشعروا بحال البؤساء من أمثالي وأمثالكم.
هنا كان لابد أن نبحث عن واقع الكهرباء في حلب، ليأتي الجواب مبهماً؛ تهرب من المعنيين. لا أحد منهم يريد الحديث عن واقع الحال، ولماذا الكهرباء في حلب على ماهي عليه.
باءت المحاولات بالفشل، فجاء الإعلان عن رفع مخصصات محافظة حمص من الكهرباء إلى 200 ميغا يومياً ليضاف إلى الإعلان أن ساعات التقنين في حمص باتت 4 ساعات قطع مقابل ساعتي وصل. تزامن الإعلان مع تواجد الوفد الحكومي في المحافظة، وأُتبع في اليوم التالي بحوار سمعته مع المدير العام لنقل الكهرباء في سورية فواز الظاهر، عبر إذاعة “شام اف ام”.
الحوار ركز على واقع الكهرباء في سورية فوردت فيه أرقام وأعداد لم نرها في حلب منذ أشهر.
وكشف مدير المؤسسة العامة لنقل الطاقة الكهربائية م. فواز الظاهر لبرنامج نبض العاصمة أن “برنامج التقنين المطبق خلال الفترة الحالية في دمشق هو ثلاث ساعات قطع مقابل ثلاث ساعات وصل، أو ٤ ساعات قطع مقابل ساعتي وصل بحسب الكميات المتاحة للتوليد”.
أما “في ريف دمشق فهو غير ثابت وبشكل وسطي ٤ ساعات ونصف قطع مقابل ساعة ونصف وصل وفقاً للكمية الموزعة” حسبما قال.
وأوضح الظاهر أن “محافظة ريف دمشق هي من أكثر المحافظات استهلاكاً للكهرباء وتحتاج إلى كميات كبيرة، مشيراً إلى أن أي تحسن وارتفاع في درجات الحرارة يساعد على تحسن الواقع الكهربائي، والاستهلاك خلال فترة الصيف أقل من الشتاء وبالتالي يكون وضع الكهرباء أفضل”.
وفي رده حول عدم عدالة التقنين في اللاذقية، قال الظاهر : “لا أتفق بأن اللاذقية مظلومة كهربائياً، وجميع المحافظات بنفس السوية بالنسبة للتقنين، حيث أن البرنامج المطبق في اللاذقية ذاته في طرطوس وحمص ودرعا والسويداء، وهو عند الضغط ٤ ساعات ونصف قطع، مقابل ساعة ونصف وصل”.
أما بالنسبة لواقع الكهرباء خلال شهر رمضان، أكد الظاهر أنه “يتم العمل على عدة سيناريوهات لتطبيقها خلال الشهر، وهناك جهود لتحسين واقع الكهرباء، والمحاولة قدر الإمكان بأن تكون متاحة قبل ساعتين من موعد الإفطار”، منوهاً إلى أن وضع الكهرباء للعام الحالي أصعب من الأعوام السابقة بالنسبة لكميات الوقود المتاحة.
اللافت في كلام الظاهر أنه تحدث عن محافظات سورية عامةً، وخصص حديثه عن ريف دمشق ودمشق واللاذقية، وذهب للتعاطف مع محافظة على حساب الأخريات، وهنا نذهب للبحث في السيرة الذاتية للرجل، فيتبين أنه حائز على عدة شهادات عالمية في إدارة وتوزيع ونقل الكهرباء، ومتسلسل في عمله الوظيفي تدريجياً. ما يعني ان الظاهر ذو معرفة وعلم بحاجة كل محافظة وأهمية كل بقعة من بقاع هذا البلد.
وهنا يبرز تساؤل عن الأسباب التي تدفع رجلاً يعلم لتجاهل محافظة بكاملها رغم ما أكده السيد الرئيس بشار الأسد أكثر من مرة عن أهمية هذه المحافظة ودورها في عودة الحياة والنهوض بالاقتصاد السوري.
ولذلك كان لابد من التذكير بحلب، المحافظة التي تقول عنها الحكومة بأنها عاصمة سورية الاقتصادية، المحافظة الثانية في سورية من ناحية الأهمية السياسية، الأولى اقتصادياً والثانية زراعياً بعد الحسكة (التي تخضع اليوم لسيطرة ميليشيا “قسد” التابعة لأميركا)، المحافظة التي يقول مسؤولوها في أكثر من مكان بأنها اليوم ثاني أكبر محافظة سورية من ناحية التعداد السكاني بتجمع يناهز 3.5 مليون نسمة، يتوزعون على ريفها ومدينتها، المحافظة القادرة على إنتاج كا ما تحتاجه سورية صناعياً وتأمين 40% من حاجة سورية من القمح في هذه الأيام العصيبة.
الظاهر تناسى حلب سهواً أو عمداً -لن نخوض في الأسباب-عندما قال جازماً إن “جميع المحافظات بنفس السوية بالنسبة للتقنين، حيث أن البرنامج المطبق في اللاذقية ذاته في طرطوس وحمص ودرعا والسويداء، وهو عند الضغط ٤ ساعات ونصف قطع، مقابل ساعة ونصف وصل”.
قد يقول قائل بأن ما أورده الظاهر، وجزمه المطلق بالأمر نابع من عدم معرفته أين توزع ” 170 إلى 190 ميغا ” حصة حلب من الكهرباء، هنا نكون أمام واقع كارثي، فالمدير العالم الحائز على شهادات لا يعرف؟
هل يعقل أن الإدارات في حلب لم تخبره؟ أم أن منازل المسؤولين المنارة أنستهم أن يعلموه؟ أم أن الوفود الوزارية التي تزور حلب دورياً لم تسمع صراخ السكان هنا؟
وعليه ذهبت للبحث والسؤال عن آلية توزيع الكهرباء في حلب، الواقع كان مؤلما أكثر من عدم المعرفة والجهل، بعد الالتفاف والبحث ومحاولة الحصول على المعلومة “وكأنها معلومات تخص الأمن القومي” تجرأ أحدهم وسرب الأرقام عبر وسيط فوسيط فوسيط إلى أن وصلتني!
تقول الأرقام إن “حصة حلب من الكهرباء في أحسن الأحوال تصل إلى 190 ميغا، هذا الرقم يخصص منه 120 ميغا للمدن الصناعية وما يقارب 60 ميغا للمشافي والمخابز والمياه وو و ” ، أي يبقى للمدينة في أحسن الأحوال 10 ميغا فقط، 10 ميغا لـ 3.5 مليون نسمة.
يستكمل مصدرنا عبر الوسطاء حديثه بالقول: “أمام هذا الواقع تقرر قطع الكهرباء عن المدن الصناعية من الساعة السابعة مساءً حتى السابعة صباحاً على أن تزود بها الأحياء السكنية” (كتر خيركم والله يعني أما بتوقفوا أشغالنا أو بنعيش بالعتمة)، باستثاء الشيخ نجار وحصتها تقارب 40 ميغا، أي المقرر هو 80 ميغا فقط، ولكن الغريب أننا عندما قطعنا الكهرباء عن المدن الصناعية لم يرسل لنا كامل الـ 80 ميغا بل خفضت الكمية بشكل كبير ما خفّف أيضا من حصة المدينة والأحياء السكنية ليلاً!
مصدرنا الذي لا يعرف أن المعلومات وصلتني يقول أيضاً “تقرر قطع الكهرباء عن كامل المدن الصناعية من الساعة الثامنة مساءً يوم الخميس إلى الثامنة صباحاً يوم الأحد من كل أسبوع” لكن ما حدث أن الكمية الموفرة من الكهرباء والبالغة قرابة 110 ميغا أيضا اقتطع منها جزء كبير وأُرسل إلى المحافظات الأخرى! (يعني مشكورين نحن يمكننا التحمل ) .
هنا يعلو الصراخ الشعبي: لماذا وماذا فعلنا ليكون التعاطي مع حلب بهذه الطريقة؟
يمثل مدينة حلب في مجلس الشعب 52 عضواً من الريف والمدينة، معظم هؤلاء بات من المقيمين الدائمين في دمشق ولا يرى مدينته إلا في الأحلام أو عندما يزورها مسؤول رفيع جداً أو رفيق عالٍ جداً، يعرف معظم هؤلاء عن حلب ما يعرفه الكثيرون؛ الأمبير والاقتصاد والشعارات الرنانة.
نعم يا سادة، في حلب أمبير، يستنزف المواطنين هنا ويسحقهم كسحق حجر الرحى للقمح، كلفة الأمبير الواحد الكافي لإنارة غرفتين ومطبخ إضاءة توفير تتراوح بين 6 ألاف ليرة إلى 10 آلاف ليره حسب ساعات التشغيل. الحد الأقصى لساعات التشغيل هو 8 ساعات يومياً، والحد الأدنى هو 3 ساعات ونصف إلى 4 ساعات -إذا ما فصل القاطع مرات ومرات- أي أن المواطن إن اشترك بأمبير واحد لأربع ساعات في اليوم سيدفع 40 ألف شهرياً، ليحصل على إنارة فقط لمدة 4 ساعات في اليوم.
الغريب أن معالي الوزير يقول إنه لن يشرّع الأمبير طالما بقي وزيراً (!!!)، إذاً لماذا تشرعه في حلب وتبرر ظلم الوزارة لحلب بأن لديهم أمبير؟!
لن أطيل أكثر في هذا المقال الذي أحببت أن يكون على سياق سرد لما يجول في ذهني وذهن أي مواطن حلبي.
اليوم تسمع من الجميع كلمة واحدة “حلب تظلم من دمشق” هذه العبارة التي تهز أركان من يفهم معنى الدولة، باتت تُقال في أي مكان وفي كل زمان حتى أنها تطرح في الاجتماعات الرسمية ويرددها معظم الصحفيين في حلب.
نحن نصبر ونصابر بناء على ما يقال عن حرب وضغوط اقتصادية المراد منها أن نقبل بتقسيم سورية أو إرغامها على تقديم تنازلات تفرض حالة فدرالية أو إدارات ذاتية.
نقول من صبر سنوات لن يغص يأيام، ولكن على أن تكون هذه الأيام أيام تعاضد لا أيام تفريق، أن يكون التصرف يدفع للتماسك أكثر، لا أن يقوم مسؤول ما بتصرف ما يصر عليه رغم صراخ الناس ويزرع فيهم جمراً تحت الرماد تجاه مناطق أخرى من هذه البلاد.
نصبر لتفشل الضغوط السياسية على بلادنا، فنأمل ألا تكون تصرفات المسؤولين في الداخل بوابةً لزرع الفرقة الاجتماعية بين المدن والمحافظات السورية.