قال الباحث السوري محمد صالح الفتيح إن العملية التي نفذتها إسرائيل اليوم في لبنان كلفت ملايين الدولارات، واستغرق التحضير لها أشهراً بالحد الأدنى.
وأضاف في تصريح لـ”إرم نيوز” إن إسرائيل كانت خلال تلك الفترة تنتظر وصول الأجهزة إلى لبنان وقيام “حزب الله” بتوزيعها على الآلاف من كوادره (يقدر أن الأجهزة وصلت لبنان منذ 3 أشهر).
وقال إن “كل هذا يعني أن إسرائيل تحضر منذ أشهر عدة، وربما منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لاستدراج حزب الله نحو المواجهة عبر إجباره على الرد على عمل استخباري يصعب إثبات مسؤولية إسرائيل عنه، ما يمنح إسرائيل بالتالي ذريعة للرد بشكل أوسع”.
وأضاف أن “هذا يؤكد ما كتبته في العديد من المنشورات أن إسرائيل غير مرتدعة وأنها تحضر للتصعيد وتوسعة الحرب الحالية في التوقيت الذي تختاره هي”.
وأوضح “الفتيح” أن “إسرائيل” استخدمت الرسائل والطرود المتفجرة منذ 6 عقود على الأقل، وأن الاستخدامات الأشهر كانت في 1962 ضد علماء الصواريخ الألمان الذين كانوا يعملون في مصر، وذلك ضمن ما اسمته “إسرائيل” العملية “دموقليس” (نسبة لأسطورة سيف دموقليس (Damocles) في التراث الروماني).
ويشرح الخبير السوري المقيم في بريطانيا أن المبدأ بسيط، وهو وضع كمية صغيرة من المتفجرات ضمن رسالة بريدية عادية أو طرد بريدي عادي موجه للشخص المطلوب استهدافه وتنفجر عندما يفتحه هو أو بعض المقربين منه.
ويقول: “ما حصل في بيروت وعدة مناطق لبنانية اليوم هو نسخة حديثة من هذا النوع من العمليات، ولكن لا يزال الهدف الإجمالي غير واضح. إذ استهدفت مئات أجهزة البيجر التي يستخدمها عناصر مدنيون في حزب الله” لتنفجر بشكل متزامن”.
ويضيف أن أجهزة “البيجر” تستخدم للاتصالات في حالات الطوارئ، وفي المشافي لإرسال رسائل قصيرة أو للاتصال الجماعي بمجموعة كبيرة من الأفراد، وتتميز أجهزة “البيجر” عادةً بقوة إشارتها ولهذا تستطيع العمل في بعض الحالات التي تتوقف فيها إشارة أجهزة الهواتف الخليوية.
وبحسب المعلومات، يقول “الفتيح” إن الأجهزة التي انفجرت اليوم وصلت منذ فترة قصيرة نسبية (ربما عدة أشهر). وهي من تصميم شركة “Motorola” الأميركية التي توقفت عن تصنيعها منذ عدة سنوات ويتم تصنيعها في بلدان أخرى.
ويشير إلى أن أجهزة “البيجر” لا يزيد وزنها عادةً عن 200 غرام وبالتالي يرجح أن وزن الشحنة المتفجرة يتراوح بين 10 إلى 50 غراماً (بحسب آثار الانفجار والإصابات الناجمة عنها).
ويلفت “الفتيح” إلى أن الأجهزة انفجرت بعد وصول رسالة أو اتصال إليها. حيث ينفجر جهاز “بيجر” بعد ثوان من تفقد حامله له.
وفقا ل”الفتيح”، وبعد مطالعة مقاطع الفيديو المتوافرة للإصابات، تظهر الكثير من حالات بتر الأصابع، أو إصابات في العيون، أو إصابات في البطن أو الخاصرة.
ويشير إلى أن أحد المزايا الرئيسة لأجهزة “البيجر” هي إمكانية الاتصال الفوري بعدد كبير من الأجهزة من رقم واحد، أو إرسال نفس الرسالة لها، أو تفعيل خاصية الإنذار فيها.
ومن وجهة نظر الباحث، من المستبعد أن يكون ما حصل نتيجة هجوم سيبراني استهدف بطاريات هذه الأجهزة لجعلها تنفجر. ذلك أن مقاطع الفيديو تؤكد حصول انفجار تقليدي لشحنة متفجرة. بينما بطاريات الليثيوم لا تنفجر فوراً بل تسخن أولاً بشكل ملحوظ، ثم تبدأ الاحتراق لتنفجر بعد بضع ثوان.
لماذا نفذت “إسرائيل” هذا الهجوم؟
يقول الباحث السوري إن هناك عدة احتمالات:
أولاً: العملية رد على محاولة اغتيال مزعومة استهدفت رئيس الأركان الإسرائيلي اليوم (أعلنت إسرائيل عثورها على متفجرات في منطقة يرتادها رئيس الأركان). ما يشكك بهذا الاحتمال هو قصر الفترة الزمنية بين حصول الانفجارات في لبنان وبين البيان الإسرائيلي حول محاولة الاغتيال (ساعتان تقريباً).
الاحتمال الثاني، وفقا للباحث، هو اعتقاد “إسرائيل” بوجود تحضيرات من جانب حزب الله لتنفيذ عملية عسكرية كبيرة، فجاءت هذه العملية بشكل استباقي (هذه سردية نشرتها “Haaretz” الإسرائيلية). ولكن لا توجد مؤشرات على مثل هذه التحضيرات. وحتى في حال كان حزب الله يحضر لمثل هذه العملية العسكرية الكبيرة، فما حصل في لبنان لن يلغي هذا الاحتمال بل قد يزيده، وإن أخر حصوله لفترة وجيزة.
أما الاحتمال الثالث، وفقا للفتيح فهو أن “إسرائيل” تحاول استدراج حزب الله إلى الحرب عبر إحراجه بشكل يجبره على الرد من دون أن يكون لديه تأييد دولي أو محلي. فالانفجارات حصلت عبر أجهزة وزعها حزب الله و/أو إيران. ولن يكون من السهل إثبات مسؤولية “إسرائيل”. وحزب الله في بيانه الأخير (الساعة 6.15 مساء بيروت، تقريباً) استخدم تعبير “الانفجارات الغامضة الأسباب”.
ويرى “الفتيح” أن هجوم اليوم يضع حزب الله بين خيار الرد للانتقام لمئات الجرحى المدنيين أو ابتلاع ما حصل، لتتمكن “إسرائيل” من تسجيل المزيد من النقاط في الحرب النفسية الجارية، ولكن من دون أن يكون لهذا الموقف من حزب الله (أي تجنب المواجهة) تأثير طويل الأمد على مسار الاشتباكات بين حزب الله و”إسرائيل”.