هاشتاغ_ميسون حداد
في الظروف الحالية، والتي نشهد فيها اجتياح وباء كورونا، بت لا تزور طبيباً “إذا استقبلك” أو تستشيره، حول أي عرض، ليعطيك بروتوكول علاج الكورونا فوراً من باب الاحتياط.
وكل ما رأيت صديقاً أو قريباً يعاني بعض الأعراض، لتبادره.. معقول كورونا؟ ويأتيك النفي القاطع.. لااااااا شوية “كريب”.. أكيد مو كورونا!!!
بات التعامل مع اسم المرض وكأنه تهمة!!
وبتنا نرى من أصيبوا، يفصحون عن إصابتهم بعد شفائهم بوجل، وكأن في الأمر عاراً يستحق المواربة!!
الكورونا اليوم أبعد من مرض فيروسي، الكورونا اليوم “جائحة” بكل ما تحمل الكلمة من معنى، والتعامل معها لا يحتمل إلا الجدية في المواجهة وعلى جميع الصعد.
بعيداً عن القرارات العامة، يشكل الموقف الشخصي من كورونا عاملاً مهماً وأساسياً في التعاطي مع التفاصيل اليومية الهامة والحساسة.
البعض لا يصدقون حتى اليوم، رغم العدد الكبير للمرضى المترامين في المستشفيات وعدد الوفيات المتزايد أن هناك وباءً حقيقياً ويستترون وراء نظرية المؤامرة.
ولأولئك الذين لا يعبؤون بضرورة التدابير الاحترازية.. إن كنتم لا تعبؤون بأنفسكم، فمن حولكم أمانة في أعناقكم، من أجلكم ومن أجلهم، الاستسهتار، يودي بالمجتمع بأكمله.
أما مريض الكورونا فهو هنا بيت القصيد..
بات معروفاً أن المصابين بكورونا لا يحملون الأعراض نفسها، وإن كانت هناك أعراض مشتركة، فهي تختلف من شخص لآخر، وحتى الأطباء لا يستطيعون دائماً توقع مسار المرض.
بداية، الأمراض تتطلب المواجهة.. الحياة كلها مواجهة..
على المريض أن يواجه نفسه أولاً ويقبل أنه مصاب، لا عيب في المرض، هذه أفكار مجتمع يحتاج الكثير من النضج، ولا بد من الخروج من دوامة المكابرة أو الاستهتار، لأن هذه تأخذ صاحبها ومن حوله إلى ما لا يحمد عقباه..
ومريض الكورونا يدخل جسدياً ونفسياً في حالة صعبة، أوجاع الكورونا جديدة من نوعها ولا تشبه “الكريب”، أنت لا تعرف أين يأتيك الوجع، ربما يأتيك في الرئة أو الجهاز الهضمي أو الرأس، وربما يتدرج في هذه كلها وغيرها..
يختبر مريض الكورونا آلاماً لم يعرفها من قبل، تختلف حدتها من شخص لآخر، ولكن مذاقها جديد كلياً وغير مستحب..
أن يكون المريض في حالة لا يعرف فيها ماذا ينتظره، وأين سيصافحه الوجع، فهذا وجع على وجع..
ومريض الكورونا يدخل في عزلة، يحاصره الألم والفراغ، والوحدة المترافقة بشعور العجز، مريض محاصر في كل شيء..
وقد يشكل موقف المحيطين به، أحد أوجه الحصار، حيث باتت الكورونا “تهمة”ّ! والمصاب يعامل كالمتهم بجرم أن الفايروس استهدفه..
هذا الحصار يتطلب حباً من نوع خاص، حباً يعرف فيه المحيطون كيف يجيدون البعد مع الاقتراب، وكيف يفتقدون المريض طبياً.
ويشكل التعاطف الواعي، والذي يمد المريض بالطاقة الإيجابية، أهمية لا تقل عن أهمية العلاج الطبي لا بل تدعمه، خاصة إذا ساهمت بالخروج من نظرة “يا حرام” إلى اقتبال أن أي إنسان قد تطاله الجائحة، وسلاحه الوعي، قبل وبعد الإصابة، وأن يجيدوا قبول المريض ومرضه.
في فترة إصابتي، خابرني أحد أصدقائي، بلهجة يملؤها الحب ويغلفها حس الدعابة، بادرني بالسؤال.. “كيفك يا مكورنة؟”.
وانطلقت ضحكتي مدوية مجلجلة بعد أن نالت الحرية متسللة بين قضبان أوجاعي.
وتبادلنا أطراف الاتهام والاهتمام وتشاركنا معاناة التفاصيل والعلاج.. ليس هناك دواء يوازي الحب في قدرته على الشفاء..
زمن الكورونا زمن التغيير، ما قبلها ليس كما بعدها، على صعد عدة، التغيير يطالنا في الفكر والعادات والتفاصيل والعمل والحب والموت والحياة..
ويبقى دورنا بالمساهمة في صناعة التغيير، بالوعي..