أدى استياء المسلمين والعرب الأمريكيين من تعامل إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، مع الحرب في قطاع غزة، إلى حدوث تحوّل تاريخي في صلات الولاء مع الحزب الديمقراطي، التي استمرت لعقدين من الزمن.
وظهر التحوّل التاريخي، للأمريكيين المسلمين ومن أصول عربية، جليا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي جرت يوم الثلاثاء الماضي، وفاز فيها المرشح الجمهوري دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
وفي انتخابات “الثلاثاء الكبير”، توزعت أصوات المسلمين والعرب، بين ترامب، وبين مرشحي الأحزاب الأخرى، وفقا لنتائج أولية قدمتها منظمتان بارزتان في الدفاع عن حقوق المسلمين.
وأظهر استطلاع أجراه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية “كير”، وشمل أكثر من 1300 ناخب، أن “أقل من 50% من الناخبين المسلمين دعموا هاريس”، مقارنة بتأييد نحو 65-70% للرئيس بايدن في انتخابات 2020.
وبيّن أن الجزء الأكبر من الأصوات المسلمة ذهب إلى مرشحة حزب الخضر، جيل ستاين، التي دعت إلى إنهاء الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، ثم إلى ترامب، الذي نال دعم عدد من قادة المجتمع العربي والمسلم في ولاية ميشيغان.
وتعارضت نتائج استطلاع “كير” مع نتائج استطلاع “فوتكاست” من وكالة “أسوشيتد برس”، الذي أظهر أن هاريس حصلت على 63% من أصوات المسلمين.
تحول حاد
قال مدير الشؤون الحكومية في “كير”، روبرت مكاو، إنه “لأول مرة منذ أكثر من 20 عاما، ينقسم المجتمع المسلم بين 3 مرشحين”، مبينا أن هذا الانقسام يعد “تحولا حادا” عن السنوات الماضية، التي كان فيها المسلمون يدعمون الحزب الديمقراطي بقوة.
بدوره قال رئيس المعهد العربي الأمريكي، جيمس زغبي، إن الأمريكيين العرب دعموا المرشحين الديمقراطيين بنسبة 2 إلى 1 على مدار أكثر من عقدين.
وأكد أنه رغم عدم إجراء معهدهم لاستطلاع آراء الناخبين بعد التصويت، إلا أن الاستطلاعات التي أجروها قبل الانتخابات أظهرت أن “التصويت العربي كان منقسما بنسبة 42% لهاريس مقابل 41% لترامب”.
وأشار زغبي إلى أن “أحداث غزة أثرت بشدة على الناخبين من الفئات الديمغرافية التي لم أتوقع أن تتأثر بهذا القدر”.
وتشير التقديرات، إلى أن هناك حوالي 3.7 مليون أمريكي من أصول عربية، إضافة إلى عدد مماثل يُصنف كمسلمين أمريكيين، لكن تُعد هذه الفئات متنوعة للغاية، لا يمكن تصنيف جميع المسلمين أو العرب الأمريكيين ضمن فئة واحدة، سواء أكانوا محافظين أم تقدميين.
وشهدت ولاية ميشيغان انتفاضة قوية من الناخبين المسلمين وأصحاب الأصول العربية، خاصة في مناطق ديربورن، وهايتس، وهامترامك.
وفي ديربورن، التي ينحدر أكثر من 55% من سكانها من أصول شرق أوسطية، حصل ترامب على أكثر من 42% من الأصوات، مقارنة بـ 30% قبل 4 سنوات، في حين حصلت هاريس على 36% فقط من أصوات المجتمع، الذي منح بايدن نحو 70% في الانتخابات السابقة.
أما في هامترامك، التي تتكون غالبية سكانها من المسلمين، فقد حصل ترامب على 43% من الأصوات، مقارنة بـ 13% فقط في 2020، بينما حصلت هاريس على 46%، بانخفاض كبير عن نسبة 85%، التي حصل عليها بايدن.
من جهتها اعتبرت سمرا لقمان، وهي وكيلة عقارات وناشطة سياسية في مدينة ديربورن، أن هذا التحوّل “لم يكن مفاجئا”، مؤكدة أنها كانت تدعم حملة بايدن لإعادة انتخابه في الخريف الماضي، لكنها غيّرت موقفها بعد أن “فشلت إدارته في وقف الحرب بغزة”.
وقالت لقمان: “منحت صوتي لترامب بشكل أساسي لمحاسبة المسؤولين عن (الإبادة الجماعية)، وأملا في إنهاء العدوان فور توليه المنصب”، مشيرة إلى أن أفراد عائلتها وهم من أصول يمنية، انقسموا في التصويت بين ترامب وستاين، كما أوضحت أن دافعهم الرئيسي كان “ضمان خسارة هاريس”.
من جهته قال إسام كمال رحمن، وهو ناشط مجتمعي من أصول بنغلادشية ويقيم بمدينة هامترامك، إنه صوت للمرشح الجمهوري بسبب خططه الاقتصادية، بينما انحازت ابنته لستاين.
وسعى ترامب خلال الأيام الأخيرة من حملته الانتخابية لجذب أصوات العرب والمسلمين في ميشيغان، متعهدا بإنهاء الصراعات في قطاع غزة ومناطق أخرى بالعالم، ما لاقى استحسانا من الكثيرين.
وشهدت حملته زيارة لمدينة هامترامك، حيث دعمه رئيس بلديتها يمني الأصل، عامر غالب، ما أثار استياء بعض أعضاء المجلس البلدي.
وانتقد زغبي، وهو عضو اللجنة الوطنية الديمقراطية منذ فترة طويلة، “ضعف التواصل” بين هاريس والمجتمع العربي والمسلم، مشيرا إلى أن هذا الأمر “منح ترامب الفرصة للوصول المباشر للناخبين في ميشيغان ومصافحتهم وطلب دعمهم”.
ووصف المدير المشارك لمركز التجربة الإسلامية في جامعة أريزونا، تشاد هاينز، الانقسام في صفوف المجتمع المسلم الأمريكي بأنه “انقسام بين من أرادوا إرسال رسالة تحذير للديمقراطيين بشأن غزة، وبين من يخشون عودة ترامب”.
وأشار إلى أن “هناك من يشعرون بالرضا عن توجيه ضربة سياسية للديمقراطيين، وثمة من يخشون تداعيات السنوات الأربع المقبلة”.