السبت, فبراير 22, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةكيف تنتهي الحروب؟

كيف تنتهي الحروب؟

هاشتاغ – رأي: نضال الخضري

 من غزة تحول شرقنا القديم وباتت ملامحه أكثر غرابة، فالمقاومون كانوا يبحثون عن أمل مختلف، وصمودهم شكل انعطافاً غيًر كل المعايير التي استمرت أكثر من عقدين، فنحن أمام أغرب انتصار في التاريخ وربما أعقد هزيمة أيضاً، ففي كل لحظات الحرب كان شرقي المتوسط يتحول، ويُقدم نموذجاً مختلفاً لكسر التحالفات ونهاية اليقين بأننا سنحمل معنا قناعات الماضي.

 “الإسرائيلي” هُزم على مستوى سياسته الداخلية، وبدل أشكال سياساته الخارجية، وأصبحت المقاومة لوناً غير مألوف لتلوينات من التحالفات تختنق لحظة “الانتصار” الأكبر، فما دفعته غزة يصعب تعويضه ولكن المستحيل هو أن نشهد تصوراً للمقاومة بعد أن أصبحت “وحدة الجبهات” مرتكزة إلى “اليمن السعيد” الذي بقي جبهة منفردة وسط عبث الحرب “الإسرائيلية”.

 كل التفاصيل يمكن اختصارها بدفن مفاهيم الماضي، فنشوة “طوفان الأقصى” مسحت معها رموزاً كثيرة، وحولت وحشية الحرب إلى دبلوماسية لبقية الإدارة الأمريكية التي تتحدث عن إنجاز صفقة على أشلاء الأطفال، فالانتصار الذي حدث يتلخص بنقطة واحدة هي وقف الموت، وفشل “إسرائيل” في سحق حماس هو في النهاية حالة مجازية لأن “المقاومة” بأكملها باتت في مأزق، وأصبحت نوعاً من الغرابة في شرق أوسط يتم ترتيبه منذ اللحظة الأولى لحرب غزة.

 عجل طوفان الأقصى في حسم الخيارات الدولية، وجعلنا نقف على مساحة من الريبة في أننا كنا غير مدركين ما يحدث، وحملت الأيام الأولى من الحرب نوعاً من التلويح بأن الجميع لن يسمح بشرق أوسط يحمل هامش خيارات، فنموذج غزة أصبح صورة الرعب التي لوح بها “الغرب” اتجاه التعب الذي يعصف بنا، وتم اختصار ملامح الانتصار بالجنود الذين ينهارون من هول الحرب، بينما كان أطفال غزة يدخلون مساحة القهر والتشرد على بقعة صغيرة، وفي مساحة ذعر متنقلة.

 تنتهي الحروب بأشكال غير متوقعة فهي تكسر الماضي كسرا قاسيا، وتجعلنا نقف أمام مستقبل مرهق من الأسئلة التي تقودنا إلى مجهول جديد، فنحن أمام مظهر لحياتنا لم يكن مألوفاً قبل طوفان الأقصى، فلم تتغير ملامح غزة فقط، بل تحولت سوريا ولبنان، وتراكبت كل التفاصيل لتجعل أي انتصار حالة عابرة يصعب تميزها وسط ركام ما خلفته الحرب في غزة.

 قبل عام وأربعة أشهر تم اختراق “الجدار الإسرائيلي” واليوم بات هذا “الجدار” شكلا ًمجازياً لنفوذ أصبح على بعد كيلومترات فقط من دمشق، وعادت معادلة الجنوب إلى مرحلة الهدنة التي وقعها لبنان بعد حرب 1948، ومأساة غزة التي انتهت بعض فصولها بـ”صفقة” جعلت كل الحقوق مجرد تلاعب سياسي يمكن أن تمارسه دول لم تكن تملك أي تاريخ عندما بدأت نكبة الفلسطينيين.

 كيف تنتهي الحروب؟ إنه السؤال المحبط لأنها لا تقدم مساحات جديدة، وتجعل البعض مجبرا على تكرار التجربة، بينما تبقى المأساة بانتظار رؤية تكسر المعتاد في حروبنا التي تحتاج إلى تحول يوازي حجم ما أحدثه طوافان الأقصى على كامل أواطننا وحقوقنا ورؤيتنا لأنفسنا.

مقالات ذات صلة