Site icon هاشتاغ

كيف نبني مساحتنا القادمة.. السنوار على طريق الجلجلة

كيف نبني مساحتنا القادمة.. السنوار على طريق الجلجلة

كيف نبني مساحتنا القادمة.. السنوار على طريق الجلجلة

هاشتاغ – نضال الخضري

علمتنا الحرب أن ما يجمعنا يتجاوز الصور المنقولة عن دمار غزة، وأساليب سرقة البريق من أعين الأطفال، فالذعر أعاد تكويننا في مواجهة الرعب الذي يحمله من يريدون للواقع أن يستمر، ومن يرون أن “دونيتنا” تجاه الموت هي شأن طبيعي ما دام أن الغرب قادر على التفوق، فـ”إسرائيل” باقية في النفوس كغصة لزمن لم نستطع فيه منعها سلب أرواح أطفالنا، لكننا مازلنا مرغمين على النظر إليها بمساحة الحقد الذي تخلفه بعد كل بحر الدماء الذي كنس أي رؤية لسلام يقف على أجساد أبنائنا.

نحن آلام المسيح وتراث من عبور الآخرين على أرضنا، وفي كل لحظة ذعر يمكن أن نكتب حروفا مختلفة عن الآخر الذي يرانا بعين التكبر، فإذا كانت مدننا هرمة فلأننا نعمل على امتداد القرون كي نبقى فوق هذه الأرض، ونرسم على وجوه أطفالنا أملا بأن اليوم التالي سيحمل بسمة مختلفة، فـ”إسرائيل” لم تكن حالة طارئة في سلب ما نملك، وربما منذ قرون ونحن نمسك بحفنة تراب كيلا يسرقها الآخر منا، أو يلقننا عنوة بأننا عبيد الماضي.

آلام المسيح مرسومة في تعابير وجوه أطفالنا منذ لحظة وجودهم فوق هذا التراب؛ فكيف لنا أن نكون بعيدين عن الماضي، فهو ألوان من الهروب الكبير كي يبقى أمل بأن الحياة ممكنة، وأن “العابرين” فوق أجسادنا هم في النهاية حالة طارئة لابد من أن ننساها كي نستمر في الحياة، فالحرب التي نخفق بها تنقلنا إلى شكل من إبداع مختلف في فنون البقاء، ويصبح الماضي المساحة الوحيدة لاسترخاء الأرواح بانتظار نهار جديد من المجاهدة من أجل البقاء.

في غزة وعلى مدى عام كامل كانت المأساة تستعرض كل التاريخ الذي مر على أرضنا، وكانت رواية جديدة تتشكل عن أمل نحاول أن يبقى لأنه كل ما لدينا كي ننجو من كراهية الآخر لنا، فالخطأ لم يكن في بداية ما حدث على خط المواجهة في غزة، بل كان في التصورات التي بدأت في “أوسلو” عندما اقتنعت النخب السياسية بأن السلام ممكن بين روايتين متضاربتين، فسردية “الأرض الموعودة” لا يمكنها التصالح مع مرويات تراث يعرف أنه مكبل بحضارات متعاقبة جعلت من أرضه رموزاً مقدسة، وكتبت ميثولوجيا خاصة لشعب كان قدره الوجود في مساحة من القلق حول اليوم التالي.

نحن نتعثر بسبب التراكم الذي يخلفه الآخرون على أرضنا، وعندما اصطدمنا بالزمن الجديد أدركنا أننا سنبقى وحدنا في حرب تطلق السرديات والروايات قبل القنابل وحرب الاغتيالات، فما الرموز التي نحملها لم يتم قتلها؟ ومن “تموز” إلى “السنوار” هناك ألوان نكتشفها في سعينا للبقاء، فروايتنا لا تحمل بطلاً يدخل المغامرة عنوة بل شعب بأكمله يجسد الرحلة الطويلة لخلق معرفة تنهي آلام المسيح بسلام مختلف وتضع حداً لمعاناة بدأت في الرافدين واستمرت حتى وصلت إلى بحر غزة.

Exit mobile version