هاشتاغ – نضال الخضري
بقيت صور غزة وحيدة، وربما حمل التراجع الإعلامي عنها شكلاً مأساوياً، فالحرب المستمرة لم تتوقف في لبنان بحسب بنيامين نتنياهو، هي بالفعل مستمرة وفق الشكل الذي نعرفه جميعاً، فتخامد القتال لم يحمل معه منذ 1948م أي استقرار مطلق، وكانت المعارك المتنقلة حالة اعتدناها، ففي مساحة توجد فيها “إسرائيل” يصعب علينا إغفال المفاجآت، أو وضع احتمالات محددة لطبيعة “التفكير الإسرائيلي”، فاستمرار الحرب سمة لا ترتبط بنا بل بنوعية السياسات التي قررت أن تجعل منا ساحة معركة واختبار دائم لاستراتيجيات النفوذ الإقليمي.
وسط خرائب غزة نستطيع لملمة صور حياتنا لأكثر من سبعة عقود، فهي الخلاصة التي يحملها تاريخ طويل من صدام مركب، ومجابهة تاريخية تتكرر، وكأننا على موعد دائم مع رغبة الآخرين في نقل الحروب نحونا، أو في النظر إلينا وكأننا وقود أسطوري يمكنه منع التوترات في العالم، فإغراقنا أو استهلاكنا في الحروب يراه البعض جزءاً من الأمان الخاص به، ونراه مأساة الضعف التي تلازمنا منذ قرون، فإذا انهارت الأبنية في غزة، أو دفن الأحياء تحت منازلهم، فلأن الضعف المحيط بنا لا يريد لأي بادرة قوة أن تظهر.
من مفارقات الحرب الأخيرة أنها سارت بالتوازي مع عروض الأزياء ومهرجانات الثقافة، وواكبت تحول بعض المدن من حالة استقطاب رجال الأعمال إلى واقع يجمع نجوم هوليود، فالطائرات لم تحمل القنابل بل نقلت آلاف البشر للاحتفال في أمكنة لا تبعد كثيراً عنا، وعلا صخب النجومية على النحيب الذي أصدرته الأرض المحروقة في غزة ولبنان وحتى على مساحات من سوريا.
هناك صور متناثرة لتلك الحرب التي لم تتوقف، وهي ترسم ما يحدث من جديد وضمن مقارنة ما بين “الجحيم” وحالة “الترف” المجاورة، فالحرب هي لدفع الناس عن تصوراتها باتجاه “الترف” الذي يكون في النهاية تصورات عليها أن تجعلنا في مسارات أخرى، وفي اتجاهات تختلف عن التكوين الذي رافقنا منذ أن ظهرت “إسرائيل” بيننا، فطوال عام كامل بقيت صور البذخ في وسائل الإعلام مثل نسخ مشوهة للاستهلاك الثقافي في هوليوود تحديدا، وفي الوقت نفسه استمرت أصوات “المُسيرات” تُرهق أعصابنا وتجعلنا ندرك أننا متابعون وأنفاسنا يتم رصدها في كل لحظة.
بعد أكثر من عام هناك ثقافة علينا بناؤها، وأجيال عليها إدراك أن رسم الحروب يحتاج إلى مفارقات تبدل التفكير، فالتدمير يقابل الترفيه، وصور المقاتلين يرافقها “النجوم” القادمون من أصقاع الأرض كافة، وصخب التظاهرات الفنية يغطي على أزيز الرصاص، وتلك المفارقات التي تجعلنا جزءاً من تحولات الآخرين ستستمر، وستكتب للأجيال تصورات مختلفة عن وجودنا المهدد باستمرار لأننا محكومون بـ”إسرائيل” بيننا.
هو وقف لإطلاق النار ولا حاجة إلى تذكيرنا بذلك من قبل نتنياهو فنحن نعرف بالفطرة أن الحروب مستمرة ومرتبطة بالوجود “الإسرائيلي”، وثقافتنا تتكيف دائماً مع واقع نكرهه لكننا في داخله ليس بحكم القدر بل نتيجة مفارقات الحرب المستمرة.