هاشتاغ-رهام كوكش
يعد انتشار مشاهد العنف في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة معقدة ذات أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية، واتخذت أشكالاً مختلفة ما تسبب باستسهال المجتمعات المحلية لهذا المحتوى بطريقة غير مباشرة رغم خطورتها على مستقبل الأسرة والأطفال.
وبالرغم من أن انتشار مشاهد القتل والدماء في الأفلام والمسلسلات ظاهرة قديمة، إلا أنها ساهمت في
استسهال المشكلة وانتشارها في قطاعات أخرى مثل البرامج الأخبارية التي بفضل التطور التكنولوجي وفرت خدمة نقل الحروب والجرائم على الهواء مباشرة ما سهل تداولها على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي.
فما هو العنف في وسائل الإعلام؟ وماهي مجالات تأثيره على الفرد والمجتمع؟ وهل وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في كشف العنف أم في انتشاره على نطاق أوسع؟
أفلام وبرامج.. نتيجة واحدة
تقول الإعلامية ميرلا أبو شنب في حديث خاص لـ”هاشتاغ” إن: “المحتوى الإعلامي الموجه للأطفال كالرسوم المتحركة وما تحتويه من مشاهد للعنف والقتال، والمشاهد الدموية التي تعرض في المسلسلات والأفلام الأجنبية وتبث عبر القنوات الإعلامية العربية والمحطات العالمية المنتجة، جميعها ساعدت على نشر العنف”.
وأضافت: “كذلك التغطيات الإخبارية للحروب وخاصة الحرب السورية في السنوات الأخيرة وحرب العراق وغيرها. حيث كانت بعض المحطات الإخبارية تتجه لعرض مشاهد دموية عنيفة دون مراعاة مواثيق الشرف الإعلامي وأخلاقيات العمل الإعلامي وقوانين الإعلام”.
من جانبه يقول الصحفي العراقي منتظر الشيخ بخيت لهاشتاغ: “تساهم معظم وسائل الإعلام لاسيما العربية، في نشر ثقافة العنف بقصد أو دون قصد، من خلال المواد المرئية أو الألفاظ النابية والمشادات الكلامية في البرامج الحوارية، كما أن غياب الرقابة وبحث وسائل الإعلام عن الإثارة والانتشار على حساب المهنية، ساهم في نشر العنف بشكل واسع”.
وأوضح: “على سبيل المثال، تحولت البرامج الحوارية التلفزيونية إلى شبه صراع الديكة، ويتنافس مقدمي تلك البرامج على إثارة الضيوف في سبيل افتعال مشادة كلامية قد تتطور إلى ملاكمة على الهواء مباشرة”.
وتابع “كذلك هي المواقع الالكترونية والوكالات، حيث تتجاهل معظمها خطورة المواد الصورية، والتقارير
العنفية، حيث نلاحظ أن بعض الوكالات تقوم بنشر صور دموية، ومقالات رأي وتقارير تحث على العنف، دون مراعاة أخلاقيات المهنة”.
انعكاسات على مستقبل الأطفال
بالرغم من أن وظيفة الإعلام الإخبار والترفيه والتعليم وإرشاد الجماهير للطرق السليمة للتعايش، إلا أن العنف الذي تصدره يؤثر بشكل كبير على الأطفال والمراهقين.
تؤكد “أبو شنب” أن “الآثار الجانبية للعنف الإعلامي خطيرة للغاية، لأنها تبدأ من الأطفال اللذين تتم تنشأتهم على هذه الأساليب العنيفة من خلال المشاهد التي يشاهدونها بأفلام “الكرتون” فتخلق لديهم سلوك عدواني، وبالتالي في سن المراهقة يكبر هذا السلوك، ويتعزز في المراحل العمرية المتقدمة من خلال مشاهدة المسلسلات، وبالتالي يصبح هذا السلوك العدواني يتجسد على أرض الواقع ضد الأصدقاء أو المرأة أو ضد الأبوين”.
ومن وجهة نظر قريبة يقول الشيخ بخيت إن “العنف الإعلامي ساهم في انتشار الجرائم والإرهاب، ففي
سنوات الطائفية بالعراق (2005-2008) عرضت على شاشات التلفاز اعترافات “إرهابيين” كانوا يهدفون لتفجير
أنفسهم في الأسواق الشعبية، واعترفوا أنهم تأثروا بالخطاب الإعلامي لقنوات فضائية محددة، مما
حفزهم إلى المجيء للعراق والقيام بأعمال إرهابية تحت مبرر الدفاع عن الدين الإسلامي، وهو الخطاب الذي
كان تغرق فيه بعض المؤسسات الإعلامية”.
وأوضح: “لا تقتصر الآثار السلبية للعنف الإعلامي على الأعمال الإرهابية، فقد يذهب إلى أعمق من ذلك من خلال تفكك الأسر تأثراً بالأفلام والمسلسلات التي تعرضها بعض القنوات التلفزيونية”.
وغالباً مايطغى عليها طابع العنف، ففي السنوات الأخيرة لجأت شركات مصرية إلى إنتاج أعمال خلال شهر
رمضان تتميز بالعنف المفرط، حتى بات الفنان محمد رمضان أيقونة لأعمال العنف في الدراما المصرية،
ويأتي ذلك تأثراً بما تنتجه الدراما التركية من مواد تتسم بطابع عنفي بحسب “الشيخ بخيت”.
مواقع التواصل سلاح ذو حدين
ترى أبو شنب أن “السوشيال ميديا جزء من المنظومة الإعلامية ورغم عرضها أجزاء مما يعرض على شاشة
التلفاز من عنف إلا أن دورها الإيجابي أكبر من السلبي”.
وبينت أن “السوشيال ميديا ساعدت على كشف العنف، كما شجعت على قيام حملات توعية لنبذ هذا العنف،
إضافة إلى قيامها بالضغط من قبل الرأي العام على المسؤولين لمحاسبة المجرمين”.
لكن يرى الصحفي “الشيخ بخيت” أن “مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر الناشر الأقوى للمواد العنفية، رغم
السياسيات التي تضعها تلك الشركات على نشر المواد التي تتميز بطابع عنفي، حيث تبتكر بعض الحسابات أساليب جديدة لنشر بعض المواد المحظورة في مواقع التواصل الاجتماعي، مثل التحايل عبر نشر روابط خارجية، أو تغطية بعض التفاصيل”.
وأستدرك: “لكن يبقى العنف اللفظي هو الأكثر انتشاراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لم تتمكن حتى
الآن سياسات شركات التواصل الاجتماعي من الحد من العنف اللفظي، كون بعض الألفاظ سواء المكتوبة أو
المصورة، تكون بلهجات محلية يصعب على مواقع التواصل الاجتماعي فلترتها”.
وفي السياق ذاته قالت الباحثة الاجتماعية منال أبو راشد لهاشتاغ إن “السوشيال ميديا ساعدت على انتشار العنف
وذلك بسبب سوء استخدامها وتحويل العديد من القضايا والخلافات الشخصية إلى قضايا للنقاش العام، الأمر الذي ساهم في انتهاك الخصوصيات وفتح الباب أمام تدمير بعض الأسر”.
وأضافت: “لذلك لوسائل الإعلام آثار سلبية على المتلقي بتغطية أحداث العنف، ولكن إذا استعملت بطريقة علمية يمكن أن تسهم في الوقاية من الجريمة والحد من ظاهرة العنف”.