هاشتاغ سوريا- رشا سيروب
تعهد “بايدن” في أول خطاب بعد فوزه في الانتخابات الأميركية بإعادة بناء العمود الفقري والطبقة المتوسطة، وتكمن أهمية الطبقة الوسطى وفقاً لأرسطو كونها “تتصرف بعقلانية، ولا تستغل الفقراء ولا تحسد الأغنياء”.
ماذا جرى للطبقة الوسطى في سورية؟
شهدت خارطة الطبقة الوسطى في سورية تغيراً في ملامحها مع تغير طبيعة المنتسبين إليها، لقد كانت الطبقة الوسطى في سورية شريحة مكونة من متعلمين ومثقفين وأصحاب العمل وبرجوازية “وطنية” حققوا مستويات من الدخل تحفظ كرامتهم عبر العمل وبذل الجهد والتعليم.
لكن خلال سنوات الحرب حدثت تداعيات هامة أثرت على أوضاع البنية الاجتماعية والطبقية وغيّرت الأوزان النسبية للشرائح الاجتماعية تحت تأثير الهجرة ومنافع الحرب وأموال العقوبات.
ومن أهم تأثيرات الهجرة هو إفراغ سورية -دون إحلال- من متعلميها ومثقفيها ومهنييها الذين شكلوا في سنوات ما قبل الحرب الطبقة الوسطى، والذين استطاعوا خلال سنوات الحرب من الحفاظ -بالحدود الدنيا- على استقرار الاقتصاد الكلي وعدم انهياره.
أما منافع الحرب وأموال العقوبات أدت إلى خلق طبقتين تغلغلت فيهما العقلية الريعية القائمة على الكسب السريع «لا ينتمون إلى أخلاقيات المجتمع وقيم العمل»، الطبقة الأولى “الطبقة الوسطى المحدثة” لكنها في واقع الأمر مختلفة جذرياً عن الطبقة الوسطى السابقة من حيث مستوى التعليم والسلوك الاجتماعي وأسلوب تعاملهم ونظرتهم للموضوعات الثقافية والأخلاقية، والطبقة الثانية “الطبقة الطافية” التي طفت على سطح الاقتصاد وتتميز بالثراء الفاحش “جداً”، ومع ذلك لا يمكن ولا يجوز وصفها بالطبقة الرأسمالية أو “البرجوازية”، إذ أن مصادر ثرواتها لا يعود للأسس والمبادئ التي قامت عليها الرأسمالية والتي تعتمد أساساً على العمل المنتج والفكري في ظل المنافسة الحرة وسيطرة القانون.
وبذلك اكتسبت الطبقة الوسطى في الواقع الراهن خصائص جديدة دون مستوى خصائص الطبقة الوسطى الحقيقية، واختلفت تركيبتها الاجتماعية وبنيتها الثقافية، فلم يعد نوع التعليم ومستواه أو العمل المنتج وجودته أو الوظيفة ذات الدخل الثابت معايير الارتقاء والحراك من الطبقة الفقيرة إلى الطبقة المتوسطى.
وأضحت الطبقة الوسطى المتشكلة عبئاً على الدولة، إفرازات الطبقة الجديدة سينعكس سلباً على الوئام الاجتماعي ويزيد من تضارب المصالح بين فئات المجتمع.
لذا فإنه لا يكفي الحديث عن تحسين مستوى معاشي للمواطن، فالأولى أن يكون هدف الحكومة هو إعادة تشكيل طبقة وسطى حقيقية أو إعادة خلق طبقة وسطى جديدة تقوم على العمل المنتج والتعليم والنزاهة، كي لا تتحول سورية إلى شمال “ثري ذو عقلية ريعية” وجنوب “منهك جسدياً وفقير معنوياً وإنسانياً”، والتعامل مع أزمة المستوى المعاشي بأنها أزمة تنموية اجتماعية وليس فقط دخل منخفض وفقر، وإلا فإن أوضاع الوطن لن تستقيم.