سامر ضاحي
لم تسهم الحرب السورية بانتشار القتل والدمار فحسب، بل سرعت تدمير آليات التنظيم الاجتماعي غير الرسمية، وكان لهذا التدمير عواقب وخيمة، فقد تمزقت الأسر، واقتلعت المجتمعات من جذورها، وتحطمت هياكل الدعم.
وقد أدى هذا التآكل في النسيج الاجتماعي إلى تقويض تماسك المجتمع السوري وقدرته على الصمود، وزادت بالمقابل التحديات التي تعيق الجهود المبذولة لبناء السلام.
ارتكز المجتمع السوري تاريخياً على الروابط العائلية، والروابط المجتمعية، والمؤسسات الدينية. شكلت الأسر تقليديا حجر الزاوية في الدعم الاجتماعي، ووفرت الحماية والتوجيه والشعور بالانتماء، إلا أن الحرب فرضت نوعاً من التفكك الأسري، وأفقدت الكثيرين ذويهم، وأنظمة الدعم التي اعتادوا عليها سابقاً، وكذلك النزوح، ما ساهم بتوتر النسيج الاجتماعي وتراجع كبير في درجة الثقة والتضامن بين مكونات المجتمع.
ولم تكن المؤسسات الدينية أفضل حالاً، فسبق لها أن لعبت دوراً بارزاً في تشكيل الأعراف الاجتماعية والحفاظ عليها، لكن الأطراف المتصارعة أدخلت المساجد والكنائس وحتى الشخصيات الدينية في معادلات القتال، ما أضعف هذه الآليات وقدرتها لحل النزاعات والتنظيم الاجتماعي التي كانت متوافرة قبل الحرب.
هذا الفراغ الذي تسبب به انهيار آليات التنظيم الاجتماعية التقليدية دفع الأفراد للكفاح في مشهد مليء بعدم اليقين والخوف وانعدام الأمن. ومع تآكل شبكات الدعم الأسري والمجتمعي والديني، تُرك العديد من السوريين ليتدبروا أمرهم، معتمدين على غريزة البقاء، ما عزز نهج التفكير الفردي والاعتماد على الذات وزاد من توتر التماسك الاجتماعي، وصعب من كفاح المجتمعات لإيجاد أرضية مشتركة وإعادة بناء أواصر الثقة التي تآكلت بسبب سنوات الحرب.
وفي غياب الهياكل التقليدية القائمة للتوسط في النزاعات، وحل المظالم، وتعزيز المصالحة، بات الأفراد يبحثون عن سبلهم الخاصة نحو العدالة والحلول، فتشتت المصالح وتضاربت الأجندات، ولجأ الأفراد إلى وسائل بديلة لطلب الحماية والأمن.
لذا قد يمكن فهم تشكيل الجماعات المسلحة كنوع من ملء الفراغ الذي خلفته الهياكل التقليدية، لكن كانت النتائج عكسية، إذ ارتفع تعقيد الجهود الرامية إلى بناء السلام، لأن مصالح القوى المسلحة الطارئة لا تتماشى بالضرورة مع الأهداف الأوسع للمصالحة والتماسك الاجتماعي.
من هنا، وقبل الانطلاق في جهود الحل السياسي والبحث في تفعيل آليات التنظيم الاجتماعية الرسمية، قد نكون بحاجة إلى معالجة آليات التنظيم الاجتماعية غير الرسمية، فيفترض البحث عن نهج شامل يعطي مساحة كافية لإعادة بناء الثقة، وتعزيز الروابط المجتمعية، والتعامل مع المجتمعات المحلية على المستوى الشعبي، والاستماع إلى احتياجاتها، وتمليكها عملية بناء السلام، للبدء في تضميد جراح الحرب وتمهيد الطريق نحو المصالحة والسلام.