هاشتاغ – عبد الرحيم أحمد
ماشهدته بعض المحافظات السورية من مظاهرات احتجاجية سلمية رفضاً لجريمة إحراق مقام السيد أبي عبد الله الخصيبي في مدينة حلب تعبرّ في جانب منها عن وعي الشعب بأهمية التظاهر السلمي ورفض أية ممارسات ذات طابع فتنوي، لكنها في جانب آخر تثير القلق والخوف من إمكانية استغلال بعض الجهات الخارجية والداخلية هذه التحركات لإثارة الفتنة والقلاقل الأمنية بين السوريين.
أن يتزامن نشر فيديو إحراق المقام مع تصريحات لبعض المسؤولين الإيرانيين عن أن الوضع في سوريا لن يستتب للعهد الجديد وغيرها من التصريحات المحرضة في هذا الظرف الحساس، تشير بأصابع الاتهام تجاه طهران بأن تكون خلف محاولات إثارة الفتنة في سوريا بعد سقوط الطاغية بشار الأسد وخروجه من البلاد.
قراءة المشهد السوري اليوم تحتاج إلى تعمق أكثر في طبيعة الأحداث التي تجري، إذ لم تقتصر عمليات الاستفزاز على مكون سوري واحد حيث جرى استفزاز الأخوة المسيحيين بحرق شجرة الميلاد في مدينة السقيلبية بمحافظة حماه من قبل مسلحين أجانب.
وفي الوقت الذي خرجت فيه تجمعات مدنية تطالب بإقامة الدولة المدنية في سوريا التي تحترم حقوق السوريين جميعاً على أساس المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الانتماءات العرقية أو الطائفية أو الدينية، تشكّل هذه الأحداث محاولة لضرب هذه التوجهات وشد العصب الديني والطائفي وإعادة الناس إلى مظلة الانتماءات الضيقة بدل التوجه إلى الانتماء الأرحب للوطن، كل الوطن.
لكن وبالرغم مما جرى بالأمس، اثبت السوريون سواء أولئك الذين خرجوا في مظاهرات سلمية وغيرهم ممن عبّر عن تضامنه معهم ورفضه لأية ممارسات تسيء لأي مكون سوري، اثبتوا أنهم تعلموا درس سنوات الحرب المريرة التي فتكت بهم جميعاً وقتلت خيرة شبابهم وقضت على عقد من أعمارهم بين فوهات البنادق وسراديب الخنادق.
وحدهم السوريون قادرون على تفويت الفرصة على من يتربصون بهم ويعدون العدة للانقضاض عليهم وإعادتهم إلى النفق المظلم الذي خرجوا منه بوعيهم وصبرهم وحكمتهم، لأن العالم أجمع لن يتحرك سوى لتحقيق مصالحه ولو على حساب دماء السوريين وعذاباتهم، ومن يتوهم غير ذلك فليراجع عشر سنوات مضت.
اليوم، السوريون هم بأمس الحاجة للتعاون والتعاضد ورأب الجراح والتعانق وإلقاء السلاح الذي لم يجلب لهم يوماً الأمن ولم يؤمن لهم لقمة العيش الكريم، والمطلوب اليوم من جميع السوريين ولاسيما الوجهاء وأصحاب الرأي أن يبادروا إلى إعلاء لغة الحوار والتسامح والتعالي عن بعض الممارسات من أجل مستقبل الوطن ومستقبل أبنائه.
ما نحتاجه في سوريا اليوم أن نعلن بكل أطيافنا وانتماءاتنا أن دم السوري على السوري حرام كما دم المسلم على المسلم حرام. كفانا دماءاً ودماراً وخراباً، فسوريا لن تنهض إلاّ بتكاتف السوريين وتشابك أيديهم للسلم والأمن وإعادة البناء والإعمار.