رأي مازن بلال
تبدو التحضيرات لانعقاد اللجنة الدستورية منفصلة عن التوترات الدولية بخصوص أوكرانيا، فالمبعوث الأممي غير بيدرسن سيذهب لموسكو وسيسبقه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، حيث يبدو أن الحراك الدبلوماسي بشأن الأزمة السورية يتحرك وفق إيقاع خاص بعيدا عن “طبول الحرب”، وهذا الأمر يوشر إلى محاولة جادة لصياغة توافقات عامة، فالوضع السوري منفصل بالتأكيد عن التشابك الدولي على الحدود الروسية – الأوكرانية، لكنه بالتأكيد يخضع لكل عوامل التناقض الدولي، وهو ما يجعل من جولة اللجنة الدستورية القادمة حالة خاصة؛ لأنها تعبر عن أشكال التفاهم أو التناقض داخل النظام الدولي.
عمليا فإن التصريحات المتفائلة لبيدرسن ظهرت قبل تفاقم التصادم الدولي، لكنها في نفس الوقت مثلت تجاوزا لعمليات التعبئة التي تقوم بها المعارضة في الخارج، وعلى الأخص الندور التاي انعقدت في قطر أوائل شهر شباط والتي حاولت إعادة تعويم الأزمة السورية، ووضعها ضمن مساحة التشاور والبحث وذلك بعد عقد كامل من الصراع العسكري والدبلوماسي، فالصورة الأولية لحراك الدبلوماسية الدولية في مقابل تحركات المعارضة تقدم أمرين:
الأول أن العملية السياسية بذاتها لم تعد مريحة لبعض الأطراف، لأنها بدأت تشكل آليات جديدة بعضها يعيد العلاقة مع دمشق من بوابات مختلفة، فصراع بعد الأطراف وعلى الأخص المعارضة في الخارج مع التحرك الدبلوماسي باتت واضحة، على الأخص أن هذا الجناح يملك اتصالات قوية مع الإدارة الأمريكية.
تقدم العلاقة بين أطراف الصراع مع الحل السياسي صورة مختلفة عن المراحل الأولى للأزمة، فجولات جنيف بدأت بشكل يحاصر الحكومة السورية، وكان هذا الأمر واضحا في الجولتين الأولى والثانية، ومع التطورات العسكرية كان التفاوض بين الأطراف يقدم رهاناته وفق تطورات الميدان، إلا أن الهدوء العسكري في السنوات الأخيرة غير من السياق الخاص للتفاوض، فظهرت اللجنة الدستورية على سبيل المثال كنقطة بداية توافقية، وظهرت مرونة في النظر إلى القضايا الخاصة بالحكومة السورية، في وقت فقد فيه الجهاز المعارض ممثلا بالإتلاف الاهتمام والدعم الدولي الذي حظي به سابقا، ورغم أن الحكومة السورية ماتزال تخضع لضغوط قوية من قبل الولايات المتحدة وأوروبا؛ لكن هذا الأمر لا يعني بالضرورة أن يحظى الائتلاف بنفس الاهتمام القديم.
الثاني في الرهان على ظهور تحولات دولية وإقليمية لإحداث اختراق في الأزمة، فجميع الأطراف سعت منذ البداية للاستفادة من طبيعة النظام الدولي وتوازناته الهشة، وظهر هذا الأمر في عدد “الفيتو” المستخدم في مجلس الأمن من قبل روسيا، فالاعتراض الروسي مثل مفصلا في اضطراب النظام الدولي، في وقت كانت المواقف الدولية الحادة تجاه دمشق تنقل جانبا من عدم القدرة على رسم استراتيجية تغير واستفادة من أحداث “الربيع العربي”.
بالتأكيد فإن شرقي المتوسط تبدل كليا منذ عام 2011، وحققت الولايات المتحدة على الأقل تغيرا في بنية المنطقة، بينما استطاعت روسيا ترسيخ حضورها القوي عسكر وسياسيا، وعلى أيقاع هذه الصورة كانت أطراف الصراع تراهن على تحولات مفصلية لم تحدث مطلقا، لأن تداعيات الحدث السوري هي الأهم بالنسبة للأطراف الكبرى، وليس إيجاد تبديل جذري للنظام الإقليمي.
أولويات المعارضة تراجعت بكل تأكيد، بينما تبدو “دمشق” محكومة بنتائج الحرب ولاسيما الاقتصادية، فالشكل الدستوري الذي يتم التفاوض عليه اليوم لا يشكل حبل خلاص أو خطوة لقلب التداعيات الخطرة للأزمة السورية، لأنه في النهاية مازال يجسد التناقضات بين الأطراف المحلية والإقليمية والدولية.