باتت قصة الدخان الأجنبي على كل لسان منذ شهرين وحتى الآن، فالقطع المتدرج للدخان ومن ثم رفع أسعاره لضعفين أحياناً وضع مستهلكيه أمام خيار وحيد.
هاشتاغ_ خاص
وهو التوجه إلى الأصناف الأقل سعراً وجودةً، من دون أن يخرج أحد ما ويكلف نفسه شرح وتفسير ما يحصل في هذا السوق الكبير .
ولكن، يبدو أن موضوع “تغييب” الدخان الأجنبي غير مرتبط بارتفاع جديد بأسعاره، التي لم تثبت حتى الآن بشكل رسمي، ويبدو أن معرفة سر انقطاع الدخان الأجنبي في العاصمة دمشق دون سواها، “ضرب من المستحيل”، ومع ذلك لا بد من الإضاءة على ما يجري في سوق الدخان.
منذ ما يقارب الشهرين، والعديد من أصناف الدخان الأجنبي اختفت من مراكز بيعها، التي ظن رؤساء الباعة فيها ووكلاء الدخان ومعتمديه، أنها خطوة جديدة لاحتكار الدخان من قبل إحدى الجهات، وحصرها بوكيل واحد “لا شريك له”، كما حصل خلال الصيف الماضي، بالنسبة إلى الدخان الوطني، الذي بدأ في الانقطاع عن الأسواق، ومن ثم رفع أسعاره، ليتبين في النهاية أنه أصبح محصوراً بوكيل واحد، يقوم بتوزيع الحصص على المعتمدين والوكلاء ورؤساء باعة الدخان.
أما واقع الدخان الأجنبي، فعلى مايبدو أن له “حكاية أخرى”، ولم ينفع هروب الجهات المعنية من الإجابة عن تساؤلات المواطنين حول غياب العديد من أصناف الدخان الأجنبي، من البحث وراء ما يجري، وربط الموضوع بالعاصمة دون سواها؛ حيث لا تزال أنواع الدخان الأجنبي والمعسل متوفرة في باقي المحافظات، لكنها “محرمة” على الدخول لدمشق، وهي إن دخلت، لا يتعدى عدد “كروزاتها” 2 للاستخدام الشخصي فقط!.
هذه الإجراءات ترافقت مع قرارات “غير علنية جديدة اعتمدت عليها الجمارك، عبر حملة قامت بها على معتمدي توزيع الدخان في دمشق، وطلبت منهم مبالغ مالية كضريبة على ما اعتبرته تهريباً أو كساد بعض الأنواع في المستودعات”، بمئات الملايين، لتكون “الطامة الكبرى”، ما جرى مع العديد من رؤساء الباعة والموزعين، عند تسديد قيم الفواتير السابقة لدى هيئة الجمارك؛ إذ تبين فيما بعد أن تلك الفواتير تركت برسم الأمانة للجمارك، وتم تحديد قيمها على “هوى الجمارك”، وتغريم رؤساء الباعة والمعتمدين والموزعين بمبالغ أكبر من القيم التي اشتروا بها حصص الدخان، وذلك دون تقديم أي تفسير لذلك.
وخلال جولة على مراكز بيع الدخان، تتصدر الأصناف الوطنية رفوف المحال، في حين يبدو أن توافر الصنف الأجنبي بمختلف أنواعه أشبه “بتهريب الحشيش أو المخدرات”، وهي في حال وجدت تكون بأسعار غالية جدا.
المؤسسة العامة للتبغ عبر مديرها العام محسن عبيدو أكدت أنه لا علاقة للمؤسسة لا من قريب ولا من بعيد بموضوع الدخان الأجنبي.
وأوضح عبيدو في تصريحات لوسائل اعلامية، ضرورة محاسبة المسؤولين عن التلاعب بأسعاره.
وأكد عبيدو أن مؤسسة التبغ معنية بالدخان الوطني وتعمل بكامل طاقاتها وتنتج وتضخ مباشرة بالأسواق لتعوض جزء من حاجة السوق وذلك حسب الإمكانية وطاقة خطوط الإنتاج.
ومنذ أكثر من شهر تقريباً، بدأ انقطاع أنواع معينة من الدخان، وهي الأصناف الأكثر تداولاً بين المدخنين، مثل إليغانس سليم وإليغانس طويل وماستر ون، كذلك ماستر كوين وغالبية الأنواع الأخرى، وإن وجدت فإن سعرها يبلغ ضعفي سعرها السابق، الأمر الذي دفع العديد من المواطنين لتغيير نوع دخانهم مرات عدة حسب الصنف المتوافر والسعر المناسب .
وارتفعت أصناف التبغ المقطوعة مثل الماستر الأزرق القصير من 1500 إلى 2500 وأحياناً 3000 ليرة، والماستر ون من 1400 إلى 2500 ليرة، والماستر كوين من 1700 إلى 3000 ليرة، ووصل سعر باكيت الإليغانس الطويل إلى 4000 ليرة، وغالبيتها نادرة الوجود.
وانسحب الأمر على المعسل؛ حيث كان سعر معسل “مزايا” 2500 ليرة، ووصل حالياً إلى 5000 ليرة مع ندرة الحصول عليه.
ربما يكون انقطاع الدخان أحد الأمور الثانوية بالنسبة لغير المدخنين، بالنظر إلى الأزمات المعيشية التي يعانيها غالبية السوريين اليوم، إلا أن هذا الانقطاع مجهول السبب يوحي بوجود احتكار مثلاً، أو تضييق على عمل مهربي الدخان، لكن من الذي يمكن أن يواجه رفع ثمن التدخين لهذه الدرجة، والذي كان يحدث عادة خلال تقلبات سعر الصرف بخلاف ما يحدث اليوم.
فضلاً عن ذلك، يتداول السوريون المدخنون ما مفاده أن الدخان هو متنفسهم الوحيد والأخير في مواجهة هذه الظروف القاهرة، ويتندرون بالقول إن من يقطع الدخان لم يقطعه خوفاً على صحتهم ولا لأنه رديء، فالدخان الموجود في سورية كله من أردأ وأسوأ أنواع الدخان الموجود في العالم، إنما يقطعه ويخفيه لزيادة أرباح حيتان الدخان.
وبالتدقيق في أعداد المدخنين، وبحسب آخر إحصائية للمدخنين في سورية (2019) بلغ عددهم نحو 4.5 مليون مدخن سجائر (والعدد دائماً إلى ازدياد ربطاً بالظروف المعيشية القاهرة للسوريين).
وإذا كان الفرد الواحد منهم يستهلك على أقل تقدير باكيت واحدة باليوم وبمتوسط سعر / 2800/ ليرة للباكيت، فهذا يعني أن مجموع ما يستهلكونه يوميا يصل إلى /12/ مليار و/600/ مليون ليرة، ويصل إلى /378/ مليار ليرة شهريا، و/4/ تريليون و/536/ مليار سنويا،ومن هنا يتبين أن “التحكم” بهذا العدد من المدخنين مدروس ومخطط له.
وبهذا، يبقى “الدخان الأجنبي” اقتصاد مرعب بأرقامه، وعالم يدار من مجهولين يتحكمون به كيفما يشاؤون مستغلين إدمان الناس عليه.. يحتكرونه في أي وقت ويرفعون سعره متى أرادوا حتى وصل بهم الأمر بأن يفرضوا نوعية السجائر التي يجب على الناس تدخينها، وذلك عبر إخفاء بقية الأنواع أو رفع أسعارها، ليلقى ذلك النوع رواجاً كخيار وحيد لا بد منه.
يتداول السوريون في أحاديثهم اليومية أن الدخان ليس رفاهية، في بلاد بات شعار أهلها “دخّن عليها تنجلي”، وأن قطعه أو إخفاء معظم أنواعه، ليس لمصلحتهم بكل تأكيد، فآخر هم من يقطعونه هو صحة السوريين، ذلك أن المتوفر الآن مما يمكن للسوريين شراءه وفقاً لمقدرتهم هي الأنواع الأكثر رداءةً وجودةً، أما الأنواع الفاخرة المخصصة لأصحاب المعالي، والمصنعة في كبرى الشركات العالمية فتصل إلى أصحابها بألف طريقة دون أن يسأل أحد كيف ولمن؟!.