الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةخطوط حمرلنهضة هذه البلاد ... اقلبوا طاولة "اللا إنجاز"

لنهضة هذه البلاد … اقلبوا طاولة “اللا إنجاز”

هاشتاغ – رأي – أيهم أسد

يكثّف عالم النفس الأمريكي الراحل “ديفيد ماكليلاند” أحد نتائج العلاقة بين علم النفس وعلم الاقتصاد بقوله: “ابذروا الدافع للإنجاز إذا أردتم أن تحصدوا التنمية الاقتصادية”.

ماكليلاند” الذي اشتهر بتطوير نظرية الحاجة للإنجاز ترمز مقولته تلك للعلاقة بين الفعل البشري الفردي معبّراً عنه بعملية الإنجاز، والنتائج الاقتصادية المجتمعية له معبّراً عنها بالتنمية الاقتصادية.

وتتفق أدبيات علم النفس على أن الدافع للإنجاز هو سلوك بشري يرتبط بمدى سعي الفرد ومثابرته من أجل التفوق والنجاح والوصول إلى الأهداف التي تحقق الإرضاء الذاتي له، وذلك ضمن منظومة لتقييم أدائه باستخدام معايير معينة تسمح له بتقييم ذلك الإنجاز وتقديره من قبل الأفراد الآخرين في مكان عمله والمسؤولين عن العمل أيضاً.

ويمكن لنا توسيع مقولة “ماكليلاند” قليلاً والقول: إنه من خلال دفع البشر إلى الإنجاز يمكن لنا أن نحصد “التنمية الإنسانية”، ذلك المصطلح الذي وسّع من حدود التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتجاوزها ليشمل تنمية تؤدي في أعمق معانيها إلى توسيع خيارات وقدرات البشر من أجل الحصول على فرصهم الاجتماعية، وتؤدي إلى إزالة كافة القيود الواقعة على حرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.

ولما كانت التنمية وفق هذا المعنى لا ينجزها إلا إنسان متحرر من التسلط والاستغلال والتعنيف والخوف بكل أشكاله، إنسان لديه دوافع حقيقية للإنجاز ولديه كل محفزات الإنجاز،
وبالتالي فإن الإنجاز وتقديره يعني الإحساس بالانتماء، وكلما كانت ظروف دوافع الإنسان للإنجاز بحرية وكرامة ودون إكراه متوفرة بشكل أكبر، كلما كان انتماؤه إلى مكان إنجازه أكثر تجذراً، وكلما كانت نتائج التنمية الإنسانية محققة في المجتمع بشكل أفضل.

ولو حاولنا الآن إسقاط العلاقة بين الدافع للإنجاز والتنمية الإنسانية على الاقتصاد السوري فماذا سوف نجد؟
الدافع للإنجاز لدى العاملين في القطاع العام الاقتصادي والإداري شبه معدوم.
الدافع للإنجاز لدى العاملين في القطاع الخاص الاقتصادي شبه معدوم.
الدافع للإنجاز لدى العاملين في قطاع التربية شبه معدوم.
الدافع للإنجاز للعاملين في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي شبه معدوم.
الدافع للإنجاز لدى الكثيرين من المدراء والقياديين شبه معدوم.

لكن لماذا تنعدم دوافع الإنجاز لدى هؤلاء البشر ولدى الكثيرين غيرهم؟
تنعدم لأن منظومة العمل، كالأجور المتناسبة مع الكرامة الإنسانية والتحفيز المادي شبه غائبة.
تنعدم لأن منظومة التحفيز المعنوي واحترام الذات البشرية شبه غائبة.
تنعدم لأن منظومة التقييم الحقيقي للكفاءة والمهنية والعمل المُنتج شبه غائبة.
تنعدم لأن تطبيق القانون وتحقيق العدالة المجتمعية شبه غائبة.
تنعدم لأن منظومة مكافحة الفساد الحقيقي شبه غائبة.

كيف يمكن لهؤلاء البشر شبه معدومي دوافع الإنجاز أن يشعروا بانتماء حقيقي إلى بيئات عملهم؟ كيف يمكن أن يعوّل عليهم في تحقيق تنمية إنسانية؟
هؤلاء البشر هم اليوم أقرب إلى حالة “اغتراب” إنساني عن كل ما يحيط بهم في عملهم، والتنمية لا تحتاج بشراً “مغربين” بقدر حاجتها إلى بشراً “منتمين”.

اقلبوا الطاولة وابذروا الدوافع للإنجاز، عندها فقط تنهض هذه البلاد من كبوتها.

مقالات ذات صلة