الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةمأدبة الماء الجاري في الصين.. تقليد ضيافة يروي قصة وحدة الجوار

مأدبة الماء الجاري في الصين.. تقليد ضيافة يروي قصة وحدة الجوار

هاشتاغ: * هوانغ ين (خولة)

يتجلّى كرم الضيافة الصيني بصورة الماء الذي يجري، نعم، فهناك مأدبة تُسمّى “مأدبة الماء الجاري”.

 قبل عدة سنوات، كنت أنا وأصدقائي في زيارة لإحدى القرى التاريخية. مررنا بالقرب من منزل حيث كان سكان القرية يحتفلون بمناسبة خاصة، ورأينا المطبخ المفتوح الذي يعمل فيه الطهاة بحماس لإعداد مجموعة من الأطباق الشهية. وعلى الجانب الآخر، كانت تمتد طاولات طويلة مليئة بالطعام الطازج، يغطيها أكواب وملاعق جاهزة لاستقبال الضيوف.

 عندما سألنا صاحب المنزل عن المناسبة، رحّب بنا بحفاوة وأخبرنا أن هذا الاحتفال كان بمناسبة زفاف ابنه، ودعانا للمشاركة في الطعام والفرح. لم نتمكن من رفض الدعوة، فتوجهنا لتهنئته ودخلنا إلى الداخل حيث جلسنا على إحدى الطاولات.

كان الطعام متنوعًا جدًا، وكان يُقدم بشكل مستمر، حيث كانت الأطباق تتنقل بسرعة لتفسح المجال للأطباق الجديدة. وكان تدفق الضيوف لا يتوقف، وكل من وصل كان يستطيع تناول الطعام الطازج في أي وقت، مما خلق أجواء حيوية مليئة بالبهجة. هذا هو “مأدبة الماء الجاري”.

تعتبر الصين مهدًا لثقافة طعام غنية ومتنوعة، ومن أبرز خصائصها “مأدبة الماء الجاري”، التي تشتهر بأنها تمثل طابع الولائم الريفية. هذا التقليد القديم لا يعكس فقط روح الضيافة والمودة في الأرياف الصينية، بل هو أيضًا رمز لوحدة الجيران وتعزيز الروابط الأسرية.

اشتُقّ اسم “مأدبة الماء الجاري” من طريقة تناول الطعام الفريدة التي تتميز بها، حيث يُسمح للضيوف بالوصول وقتما يشاؤون ويتم تقديم الأطباق بشكل مستمر كالماء الجاري.

ورغم أن تفاصيل هذه المأدبة قد تختلف قليلاً من منطقة إلى أخرى، إلا أن جوهرها واحد: استقبال الضيوف بشكل حيوي وديناميكي، مما يعكس طابعًا من المرونة والاحتفالية.

هذه الطريقة لا توفر فقط المساحة الكافية لاستيعاب الجميع، بل تخلق أيضًا جوًا حيويًا مليئًا بالحركة والتنظيم.

وفي هذا التقليد، لا يفرق بين الضيوف، سواء كانوا مزارعين بسيطين أو مسؤولين محليين. جميعهم يجلسون معًا على الطاولة، يتشاركون الطعام ويرتفع الصوت بالتهاني والضحكات.

مهما كان توقيت وصولك، ستجد دائمًا مكانًا لك عند الطاولة، وسيتم الترحيب بك وتقديم الطعام فورًا. في هذا السياق، يُعتبر “كل من يأتي هو ضيف” في ثقافة هذه المأدبة.

يرتبط هذا التقليد ارتباطًا وثيقًا بالمساعدة المتبادلة بين الجيران في فترات الزراعة والحصاد. في الربيع، كانوا يعملون معًا في الأرض، وفي الخريف، يُعدّون هذا التعاون في صورة احتفالات مبهجة، حيث يقيمون مأدبة الماء الجاري تقديرًا لجهودهم المشتركة.

لكن الأهمية الثقافية لـ “مأدبة الماء الجاري” تتجاوز الطعام نفسه. في الثقافة الصينية، تعد المآدب وسيلة أساسية لتوطيد العلاقات الاجتماعية وتعميق الفهم المتبادل بين الناس. وتجسد “مأدبة الماء الجاري” هذا المفهوم بشكل رائع. فهي ليست مجرد لقاء بين المضيفين والضيوف، بل تشمل أيضًا تعاونًا جماعيًا من جميع أفراد القرية، بدءًا من شراء المكونات وصولًا إلى الطهي وتنظيف الصحون.

 في هذا التفاعل الجماعي، لا يستمتع القرويون بالطعام فحسب، بل يعززون روابطهم الاجتماعية بشكل أكبر.

وتعتبر هذه المأدبة جزءًا من تقاليد الاحتفال في العديد من القرى الصينية، حيث يتم تنظيمها في مناسبات مثل رأس السنة الصينية أو في حفلات الزفاف والجنازات. ويظل هذا التقليد جزءًا لا يتجزأ من ثقافة الحياة الريفية.

من جهة أخرى، إذا كانت المأدبة العربية التقليدية، مثل “الوليمة” أو الإفطار الجماعي في رمضان، تمثل أسلوبًا من أساليب الضيافة وتعزيز التلاحم الاجتماعي، فإن “مأدبة الماء الجاري” تضيف طابعًا ديناميكيًا لها، إذ يسمح للضيوف بالتوافد وقتما يشاؤون ويُقدم الطعام على دفعات، مما يخلق تجربة ممتعة ومختلفة عن الولائم التقليدية.

في النهاية، “مأدبة الماء الجاري” ليست مجرد حدث ثقافي، بل هي رابط حي بين الناس، وجسر يعزز العلاقات المجتمعية والتفاهم بين الأفراد. وكما يقال في المثل الصيني: “الجار القريب خير القريب البعيد”.

في هذا التقليد، يتم إحياء مشاعر الجيرة والتضامن بين أفراد المجتمع. وإذا كنت ترغب في تجربة الثقافة الصينية بشكل حقيقي، فإن حضور مأدبة الماء الجاري في إحدى القرى الريفية سيكون بالتأكيد تجربة لا تنسى.

* طالبة ماستر في قسم اللغة العربية في جامعة زيجيانغ للعلوم الصناعية والتجارية في الصين

مقالات ذات صلة