هاشتاغ_مازن بلال
عرقلة الهدنة المؤقتة في قطاع غزة ظهرت خارج مألوف الحروب في غزة، فتوقف الأعمال القتالية جاء حالة عرضية استجابة للأدوار الإقليمية وليس لمعالجة أي مسألة متعلقة بالشأنين الإنساني أو السياسي، فهناك زمن طويل قبل أن تبدأ مراحل الهدنة المؤقتة، كما أن الدبلوماسية رسمت منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى ملامح سيناريو التحركات السياسية، ورغم أن مصر ظهرت ضمن المشهد السياسي العام، لكن واشنطن ركزت تحركها باتجاه الدوحة، ورغم أن قطر كانت جسرا بين الدبلوماسية الأمريكية ومعظم حركات الإسلام السياسي بما فيها طالبان، لكن معركة غزة الحالية تؤشر إلى أن الطريق السياسي بات ضيقا ولا يحتمل أكثر من دور إقليمي واحد.
بالتأكيد لعبت مصر دورا “لوجستيا” أكثر منه سياسي فهي سهلت اللقاءات، ووضعت خطوطا حمر لاحتمالات “تجهير” الغزاويين باتجاه أراضيها، لكن مساحة الدور القطري تطرح مسألة التماس القطري مع حركة حماس، فالاهتمام القديم للدوحة بقيادات حماس لا يرتبط فقط بالرعاية السياسية أو التنموية لقطاع غزة، إنما بنوعية الحلول السياسية التي يمكن أن ترعاها قطر؛ كونها وفق الرؤية الأمريكية “الوصي” على حماس كـ”حركة” متمردة على الحلول السياسة المطروحة عبر السلطة الفلسطينية.
أقرأ المزيد: الحلول المتناثرة..
عمليا لا يبدو القتل الممنهج القائم في غزة اليوم تصفية حسابات “إسرائيلية” مع حركة حماس، فإشارات الاستفهام حول عملية طوفان الأقصى ربما لا ترتبط بـ”المفاجأة” أو الرد الأمريكي السريع فقط، بل أيضا بشكل المسار السياسي الذي يبدو “منتهي” سلفا عبر الدور الإقليمي المحدد باستيعاب قطر لحركة حماس، ومهما حاولنا الفصل بيت القيادات السياسية والعسكرية للحركة لكننا أمام دور لقطر لا يبدو بعيدا حتى عن ممكنات حماس اللوجستية على الأقل خلال المعركة الحالية.
العملية السياسية لم تعد مشروطة بالقدرة على تنفيذ القرارات الدولية أو اتفاقيات أوسلو وطبيعة حل الدولتين، إنما وبالدرجة الأولى على نوعية الحل الذي يمكن رسمه وفق وقائع المعركة الحالية وعملية الإبادة ضد غزة وباقي الضفة، وهنا فإن قطر وحدها من ستفتح الباب للحل السياسي ومن مجال مختلف لم يعد يرتبط بتاريخ الصراع العربي وبواباته الأكثر التصاقا بالجغرافية المتاخمة لفلسطين، فالدور القطري اليوم يقارب الحلول التي تصاعدت مع بداية الألفية الجديدة وتجاوزت دول الإقليم لتنتج لاحقا “الاتفاقات الإبراهمية” على سبيل المثال.
أقرأ المزيد: المكاسب الإقليمية في غزة
لم يعد الحل السياسي يستند إلى قاعدة إقليمية فـ”إسرائيل” باتت موجودة في الإقليم ليس عبر البعثات الدبلوماسية فقط، بل ضمن منظومة الأمن الإقليمي المعتمدة على نقل الثقل الخاص بالأزمات باتجاه الجنوب، وذلك بعد أن تحكمت القاهرة ودمشق بمفاصل الصراع لعقود طويلة، فالموت الذي تنشره “إسرائيل” يثير حفيظة العالم لكن مخرجه ضيق لأنه محشور في نقطة بعيدة عن فلسطين وضمن توازن يرتبط بالخليج وليس بشرقي المتوسط.
المفاجآت بعد حرب غزة ستأتي عبر الثمن الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون لتبديل دفة الأدوار الإقليمية، ومع الاحترام لكل من سقط شهيدا أو مازال يرفع بندقية فإن حسابات السياسة تبدو مختلفة، فـ”إسرائيل” لا تقوم بتصفية حماس وسكان غزة، وهو أمر مستحيل، لكنها تمحي الاحتمالات الخاصة بالحل السياسي وبنوعية النضال الذي ربط شرقي المتوسط بمركزية المسألة الفلسطينية، وتضعها في مكان آخر لا يحمل نفس القيم القديمة الناشئة عن الصراع، إنما مسار آخر لقدرة الدور الإقليمي لقطر، وربما لاحقا لغيرها، في جعل الموضوع الفلسطيني حلقة وساطات فقط.