قال خبراء عسكريون ومتخصصون في العلاقات الدولية، إن التصعيد الذي تقوم به “هيئة تحرير الشام” في ريف حلب شمال سوريا، يأتي في سياق ضغوط تركية على دمشق.
وأشاروا إلى رغبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالضغط من جديد على سوريا وفرض خيارات تتعلق بسياسات لا تقبل بها دمشق في الأساس، حول التفاوض وتطبيع العلاقات بين البلدين، وفق قولهم.
وأوضح الخبراء أن هذا التصعيد المستمر منذ الأربعاء الماضي هو بمثابة انتقال تركي من الحوار مع سوريا عبر السياسة إلى الحوار عبر الضغط الميداني.
وكانت وزارة الدفاع السورية قالت إن “هيئة تحرير الشام” وفصائل أخرى موجودة في ريفي إدلب وحلب، قامت بشن هجوم على جبهة واسعة، بأعداد كبيرة وباستخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة، مستهدفة قرى وبلدات ونقاطا عسكرية في تلك المناطق، وأن القوات السورية تصدت للهجوم الذي ما زال مستمرا.
يقول الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء المتقاعد محمد عباس، إن هذا التصعيد يحمل أوامر من جهتين في وقت واحد إلى “هيئة تحرير الشام” في ريف حلب، الأولى تركيا، والثانية إسرائيل، وكل منهما يعمل لمصالحه في الداخل السوري.
وبيّن عباس أن “هيئة تحرير الشام” تنفذ تصعيدا جديدا ليس بدورها الذاتي، ولكن تنفيذا لممارسات جديدة من جانب تركيا، للضغط من جديد على سوريا، وفرض خيارات تتعلق بسياسات حول التفاوض لا تقبل بها دمشق، بحسب ما نقله موقع “إرم نيوز”.
وأضاف عباس أنه بالتزامن مع ذلك، هناك محاولة لفرض معادلة جديدة ضد الدولة السورية في ظل عمل “تل أبيب” أيضا على تنفيذ مخططها بنقل القتال إلى داخل الجبهة السورية، وذلك بعد وقف إطلاق النار في لبنان.
وأشار إلى أن هذا ظهر في حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا، بالادعاء أن الرئيس السوري بشار الأسد “يلعب بالنار”، ليكون التهديد باستخدام الجيوش البديلة وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام” أو “جبهة النصرة”، بهدف إعادة الوضع في سوريا إلى المربع الأول باستخدام الفصائل المسلحة.
وبرهن عباس على ذلك التنسيق واستخدام “إسرائيل’ لـ”تحرير الشام” ضد الدولة السورية، بما حدث الأسبوع الماضي، عندما وجهت تل أبيب ضربات صاروخية وجوية إلى مواقع الجيش السوري في مناطق تتمركز مقابلها عناصر جبهة النصرة.
من جهته يؤكد المحلل السياسي السوري، غسان يوسف، أن جبهة تحرير الشام لها ارتباطات متعددة أهمها مع أنقرة، وأن هذا الهجوم يتم باتفاق تركي أمريكي إسرائيلي، باعتبار أن نتنياهو هدد الرئيس بشار الأسد، وخاطبه قائلا :”أنت تلعب بالنار”.
ويعتقد يوسف أن هذا الهجوم من جبهة النصرة وفصائل أخرى مدعوم من تركيا، وأنها تحركت بأوامر أنقرة في ظل رغبة أردوغان، الذي يريد نقل الحوار بالسياسة مع سوريا إلى الحوار بالسلاح، وفق تعبيره.
وبحسب يوسف، فإن أردوغان يريد القول للرئيس السوري إننا قادرون على التحرك واحتلال المزيد من الأراضي، إذا لم توافقوا على شروطنا بخصوص هذه المناطق، متوقعا فشل هذا الهجوم في تحقيق أهدافه.
ضغط من أجل التطبيع
ويرى الباحث في العلاقات الدولية، أحمد ياسين، أن وقوف تركيا وراء هذا الهجوم يأتي في سياق ممارسة نوع من الضغط على سوريا، في العديد من الملفات التي تريد أنقرة تحريكها مع دمشق، في ظل رفض الأسد تطبيع العلاقات بشكل أو بآخر مع تركيا، بحسب قوله.
وذكر ياسين أن الجانب التركي يعطي إشارات في هذا الهجوم بأنه في ظل التصميم السوري على الموقف الرسمي الراهن، من الممكن العودة مجددا إلى استخدام أساليب لجأت إليها أنقرة في سنوات ماضية، بتحريك فصائل مسلحة في الداخل السوري.
وأوضح أن الهدف هو إرغام دمشق على فتح خطوط اتصال مع تركيا، يتم التطرق من خلالها إلى ملفات أخرى، يستهدفها أردوغان.
وأشار ياسين إلى أن تركيا ترى أنها باتت دون دور في الكثير من الملفات القائمة في المنطقة من غزة إلى لبنان، وتحاول الضغط عبر عدة طرق لتتواجد في المعادلات الخاصة بالتصعيد والتسوية بشكل أو بآخر في الشرق الأوسط أمام الجانب الأمريكي.